فهو قد نظر إلى تلك الطبقة من خير جهاتها، وتطلع عليها بعين الرضى والعجاب، ولا بعين الناقد المتحكم
ويقول في عرض حديثه عن الحمل الثقيل الذي تشكو منه حكومات الإنجليز المتعاقبة، وهو ما تبذله في ميزانيتها للعمال العاطلين:(ولئن كان هذا العبء الناشئ من تنفيذ هذه القوانين الاجتماعية في إنجلترة لا يزال ثقيلا، إذ يتراوح بين الخمسين والثمانين مليونا من الجنيهات سنويا، فإن إنجلترة في الوقت نفسه قد اشترت راحتها وطمأنينتها السياسية بهذا المبلغ الذي يتضاءل بجانب النتائج العظيمة التي جنتها من تنفيذ هذه القوانين)
وكأننا به قد تجاهل ما كان لأثر هذه التحيات المالية العظيمة في فداحة الضرائب، وإبهاظ كاهل الإنتاج، وعرقلة المصنوعات الإنجليزية، بطريق غير مباشر في ميدان المنافسة التجارية الدولية
وقد يطول بنا القول إذا التمسنا الأمثلة الدالة على هذه النظرة العاطفة في الكتاب حتى لتكاد تجعل القارئ ينسى أنه يقرأ كتاب رجل من أمة أجنبية يصف ما في إنجلترة بعين الناقد المستقل
ولئن كانت نظرة العطف هذه مالت بالمؤلف النابه إلى هذه الناحية الكريمة في التقدير، فإن نظرة رجل السياسي الدبلوماسي قد أثرت من جهة أخرى في تقدير المؤلف، حتى كاد في بعض الأوقات يصل من المقدمات إلى نتائج لا يبررها الاستنتاج. ولا يمكن أن يؤول هذا إلا بمجاملة الرجل الدبلوماسي الذي اعتاد أن يوحي إلى نفسه بما تصوره الظروف السياسية، فإذا هو ناطق عن هذا الإيحاء بغير أن يحس. يريد الرجل الدبلوماسي مثلا أن يقول أحيانا إن عمل من الأعمال يؤدي حتما إلى نشوب حرب بين دولته وبين الدولة التي هو ممثل لدولته فيها، فإذا به يقول إن ذلك العمل قد لا يكون مما يؤدي إلى زيادة حسن التفاهم بين الدولتين، وعلى هذا القياس كان للدكتور الكبير يصل من بعض مقدماته إلى بعض نتائجه. ولأضرب لذلك مثلا من الفصل الأخير الذي عقده على مصير الإمبراطورية الإنجليزية، فإنه ابتدأ بحثه بسؤال فقال:(أهي سائرة نحو التفكك والانحلال أم أنها ستستطيع المحافظة على وحدتها إلى أجل طويل؟) ثم ناقش السؤال مناقشة لا يشك القراء