للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شعرنا بأن مقدار ما يخرج به القارئ من العلم بالحياة العادية في بلاد الإنكليز لا يشفي الغلة، فإن تصوير الكتاب لطبقات الشعب، ونفسية كل طبقة، وعلاقة الطبقات مع بعضها ببعض، يترك محلا كبيرا يشبه التشوق إلى المزيد

والكتاب جدير بأن نعقد له غير فصل واحد في صفحات الأدب والاجتماع. ولكن حسبنا اليوم أن نقول كلمة واحدة عامة عنه، لنبين معنى واحد من المعاني التي رأينا فيها مأخذا على الكتاب، ولكي نقدره تقديرا مجملا بغير تفصيل

لعل من أكبر أسباب الزلل في الحكم على قوم أن يكون الذي يقف نفسه للحكم عليهم متأثرا بميل سابق قبل أن يتصدى للحكم. وقد ظهر ذلك المأخذ واضحا لنا في معالجة الدكتور للحكم على طبقات الشعب الإنكليزي وتحديد ماهيتها. فكما أن الحكم قد يكون منتقدا لتحامل صاحبه على من تصدى للحكم عليهم، كذلك قد يكون منتقدا إذ كان صاحبه مملوء القلب بإجلال من تصدى للحكم عليهم. بل قد يكون زلل الحكم أعظم وأكثر تضليلا إذ كان الذي يحكم متأثرا بالميل والمودة. ويكون ذلك الزلل أشد أثرا إذا صحبته تلك النغمة الهادئة التي تلقي في روع القارئ أن الكاتب غير متحيز في الحكم. فالحق أن الدكتور معجب بالشعب الإنجليزي إعجابا جعله في حكمه لا يكاد يرى بع غاية ذلك الشعب غاية، ولا دون قصاراه قصارى

فنظام إنجلترا في نظره يحوي في نواحيه نزعة ديمقراطية جمهورية بارزة متغلغلة في جميع أسسها ونواحيها، بل إن المؤلف يقول أنه لا يبالغ إذا قال: (إن هذه النزعة أظهر في أنظمة الحكم في بريطانيا منها في أنظمة الحكم في فرنسا التي لما أعلنت الجمهورية استبقت لأسباب تاريخية. . . . . . . جميع أسس الأنظمة التي خلفها الملوك المستبدون)

ويقول: (ومها يكن من بلوغ الديمقراطية البريطانية أعلى غاية ممكنة في هذا الزمان فإن بريطانيا لا تزال محتفظة بجميع مظاهر الأرستقراطية الملكية)

ولن يستطيع أشد الإنجليز تعصبا لقومه، ولا أعظمهم إكبارا لكبريائه القومية، أن يقول أكثر من هذا

وهو يقول بعد ذلك في وصف طبقات الشعب مبتدئا بوصف الأشراف: (فالواقع أن هؤلاء الأشراف في إنجلترة مهما سمت مراكزهم وبلغت ثروتهم هم كغيرهم يعملون ويكدون، لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>