وجادت بالدموع السواجم عيناها وهي تقبل الطفلة، دون أن تبالي بأقذار كستها وقالت:
- ليت الله كان أخذ الضعيفة حين أخذ أبويها! ألا يا بؤسي لها!
وأسرعت حنة إلى المطبخ وهي تزفر الزفرات الحرى، فما لبثت أن أعدت طبقاً من الثريد بأحسن ما كان عندها من الحساء. وجاءت تسعى به إلى الطفلة، ومعه قطعة من اللحم ضخمة، وعنقود من العنب.
ثم انطلقت، والطفلة مقبلة على الطعام، فراحت تبحث عن رداء وثياب أخرى كانت مريم وهي في سن الثامنة قد كفت عن لبسها وهي لم تزل جديدة، وما ذاك إلا أنها كانت ضيقة.
فلما فرغت اليتيمة من طعامها غسلت لها وجهها وبدلت لها أطمارها بتلك الثياب ثم شيعتها بالدعابة والرفق الجميل العذب وعادت تصل ما انقطع فهتفت:
- لنستأنف حديثنا، ما الشعر؟
فأجبتها:
- الشعر هو هذى الدموع التي لا تزال تندى بها عيناك، وهذى الزفرات التي تصاعد ألان في صدرك، وكل ما يختلج في قلبك هذه الساعة
فقالت:
آه!
نطقت بها همساً، وقد بدأت تدرك شيئاً مما كنت أحاول أن أشرحه