للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن الآخر).

وفي الحق، لقد كان هذا الشاب، صورة ثانية لشخصية (دون كيشوت) لأنه لم يحاول مرة الاقتراب منها، كأنما كان يريد أن يستمسك حتى النهاية بالوعد الذي قطعه على نفسه في القطار: أن لا يحدثها أبداً. وفي الغالب، حين تشتد عليها نوبات مرضها وضعفها، كانت تنهض من كرسيها، وتروح تزيح الستار عن النافذة، لترى إن كان هو هناك؛ يرقبها وإذ تبصره جالساً على المقعد جلسته المتأملة الساكنة، تعود إلى كرسيها وعلى شفتيها بسمة الرضى والسعادة. . .

وماتت الكونتس، في الساعة السادسة من صبح ذات اليوم. فبينما كنت خارجاً من الفندق أقبل عليّ الفتى منطفئ اللون بادي الاضطراب وكان على علم بالنعي الأليم فقال ملتاعاً:

- أتمنى عليك يا سيدي رؤيتها لحظة، ولو أمامك. فرافقته إلى غرفة المتوفاة ولما مثل أمام سرير الميتة، تناول يدها وأذ يلثمها لثمات حراراً طويلة ما لها نهاية. . . ثم انفلت من الغرفة كمن فقد صوابه وصمت الطبيب من جديد، ثم قال:

هاكم يا سادتي أغرب حادثة أعرفها عن السفر، ويجب الاعتراف بأن الرجال مصابون بالخبل. فتمتمت امرأة بصوت خافت:

- إن ذينك المخلوقين اللذين ذكرت هما أقبل خبلاً وجنوناً مما تظن. لقد كانا. . . لقد كانا بيد أنها لم تستطع متابعة جملتها لأن البكاء قطعها عليها، وبما أن الحاضرين انحرفوا بالحديث عن وجهته كي يهدئوا جأشها، لم يعلم أحداً أبداً ما كانت المرأة تود أن تتم به كلمتها. . . لقد كانا. . .

(حلب)

كمال الحريري

<<  <  ج:
ص:  >  >>