في نزهة على البحيرة وهل لي غير البحيرة وشاطئها الجميل؟
كانت الليلة مقمرة كتلك الليالي التي نقرأ عنها في أساطير الخيال؛ وكان القمر يزهو باكتماله في كبد السماء ويحي الأرض بأنواره الفضية، فيكسبها جمالا وبهاء. وظهرت الجبال العالية بثلوجها البيضاء كملوك تلبس تيجانا فضية، ولمعت مياه البحيرة لمعانا أخاذاً في ضوء القمر الجميل، وكان النسيم عليلا يهيج الذكريات ويبعث الشوق في القلوب.
جلست على العشب، ونظرت إلى البحيرة وقد استولى علي سحرها، فمر بي طيف عابر، وأحسست أن الحب قد تملكني وأصبحت في حاجة اليه، فتذكرت حياتي الأولى وما بها من سآمة ويأس فحزنت وتساءلت: ترى هل يبسم لي الزمان فأجد نفسي على شاطئ البحيرة ف ضوء القمر الساطع بين أحضان حبيب يلهبني بقبلاته فأنتعش بتلك القبلات الحارة التي ينعم بها العشاق!! وعندها شعرت بحبات لؤلؤية تتساقط على وجنتي لم ادر بسببها وسمعت من يقول: (لم هذا البكاء يا سيدتي؟ خففي عنك ما تجدين. . . فعلا الحزم وعلام البكاء) وكنت مضطربة فقلت إني مريضة فسار إلى جانبي وكان طيب القلب وبدا يحدثني عما رأيناه في رحلتنا من المناظر الجميلة، وترجم كل ما أحسست به إلى كلمات جذابة وشعرت بأنه فهم احساساتي وشعوري كل الفهم، وفجأة اسمعني بعض الأبيات الشعرية لألفرد دي موسيه فشعرت كأنني في عالم غير عالمنا وخيل إلي إن الجبال والبحيرة وضوء القمر تغني وتسبح مبدع هذه المناظر الجميلة الساحرة.
وفي الصباح بينما أنا غارقة في هذه النشوة تركني هذا الحبيب واختفى بعد أن قدم إلي بطاقته! وهنا تأوهت مدام ليتور وكادت تصيح. . .
فقالت مدام روبير وقد سرها ما سمعت:
(لتعلمي يا شقيقتي العزيزة إننا لا نحب الرجل دائما ولا يستطيع أن يثير أشواقنا؛ فلا غرور أن حبيبك الحقيقي وأنيسك الذي سحرك بحلو ألفاظه ورقة شمائله وأثارك وبعث فيك الحب والغرام في تلك الليلة وأنار لك السبيل هو ضوء القمر. . . أجل إنه ضوء القمر!)