التي أشرقت بها روحي المودعة حتى انتهى إلي الفيل فمد خرطومه إلى فمي فانخلع قلبي ووجدت ريح الموت من أنفاسه فشم كل مكان في جسدي من رأسي إلى أخمص قدمي ثم رفع خرطومه وصاح صياحا منكرا خلت أنه زلزل الصحراء ثم أقبل علي ثانيا يقلبني ظهرا لبطن ويشمني هنا وهناك وقد غبت عن الوجود. . . وأخيرا لف علي خرطومه فرفعني في الهواء فقلت حضر الأجل ولكنه وضعني على ظهره ثم انكفأ راجعا فجهدت أن أثبت مكاني وانطلق بي الفيل يشتد عدوا فتارة يصعد بي في الهضاب وتارة ينحدر بي في الأودية ويسعى في الدروب الملتوية ويقتحم الأحراج والأدغال الكثيفة والليل الحالك مخيم على الوجود وصفير الرياح يقرع أذني في جوف الغابة الحالكة كأنه عزيف المردة التي تريد أن تتخطفني من كل مكان؛ وكان الفيل يهدأ أحيانا فيساورني الأمل الضئيل قي النجاة ثم يشتد عدوه فأتوقع أنه سيثور بي فيقتلني فأعاود الاستغفار والتشهد.
. . . قال وانتهى الفيل إلى أرض عريضة وكان الفجر قد أطل على الدنيا ونشر أشعته الفضية الحالمة فاستبانت لي طريق تشق المزارع الخضراء إلى حيث لا أدري؛ فدنا منها الفيل فرفعني عن ظهره فقلت إنا لله جاء الموت؛ بيد أنه أقامني على الطريق ثم ولى مدبرا. واتخذ سبيله في الأرض هربا فما عدت إلى صوابي إلا حين برزت الغزالة من خدرها وأضاءت المكان بنورها الذهبي الجميل فانبعثت أعدو في الطريق وأنا لا أصدق بالخلاص حتى بلغت قرية آويت إليها فعجب مني أهلوها وسألوني عن أمري فقصصت عليهم ما كان فزعموا أن الفيل سار بي في هذه الليلة مسيرة أيام واستطرفوا سلامتي فلبثت فيهم أياما حتى صلحت حالي من تلك الشدائد، وتندى بدني وعادت نفسي سيرتها الأولى. ثم خرجت في نفر من التجار إلى بلد على شاطئ البحر فركبته وأقلعت بنا الفلك في يوم طيب. ورزقني الله السلامة إلى أن عدت إلى بلدي وبقيت نفسي مليئة بهذه الذكريات الحزينة. ما عشت فلن أنسى أولئك الرفاق البررة الذين طالما طوفت معهم في الآفاق حتى ألقوا عصا التسيار. وأطبقوا جفونهم إلى الأبد على الشاطئ المجهول.