إياه، هو كتاب عن رحلة محمد ثابت. ولهذا كان أمتع فصول الكاتب على الإطلاق هو ذلك الجزء الذي يصف لنا فيه كيف منع من دخول جنوب أفريقية، وكيف جنت عليه مصريته في تلك الأقطار النائية. هذا الفصل للقارئ هو بمثابة الجوهرة وسط الأحجار.
ويخيل إلي أن محمد ثابت لم يكن يكتب مذكرات (يومية) أثناء رحلته. ولو فعل لكان لديه محصول وافر يغنيه عن تلك الفصول الجغرافية. وإنك لتقرأ الكتاب فلا تستطيع أن تستبين منه تفاصيل حركات السائح. فقد دخل (نيروبي) ولكنه لا يذكر لنا في أي تاريخ نزل بها. وبات ليلة في (ناكورو) فلا يخبرنا أين بات. ويمر بأوغندة ويقضي بها أياما، ولكنك لا تعرف متى دخلها ومتى خرج منها. ولست أستطيع أن أعزو هذا الإغفال إلا لشيء واحد هو أنه لم يكتب مذكرات يومية أثناء السياحة. ولهذا أرجو منه في سياحته المقبلة ألا ينام ليلة قبل أن يدون مشاهدات يومه. وسيرى القراء الفرق بين الكتاب الجديد والقديم.
بقى أني وجدت هفوات يسيرة أريد أن أنبه المؤلف الفاضل اليها وهي (ص٦) أن لفظ عنوان كتاب لا أسم أحد المؤلفين، وشيبا وسبأ كلمة واحدة (ص٧) فيقال بالإنجليزية ملكة شيبا وبالعربية ملكة سبأ وهي بعينها السيدة الفاضلة التي دخلت صرح سليمان وحسبته لجة. . . ونهر النيل (ص١٦٩) لم يعد أعظم نهر في العالم، لا من حيث الطول ولا من حيث ما يجري فيه من الماء. . ويطليموس الجغرافي (ص١٦٩) لم يعش قبل الميلاد بل في القرن الثاني بعد الميلاد، وغابات ايثوري في الناحية الغربية لجبال رونزوري فلا يمكن أن ترى من حصن يورتال. والغورلا يا سيدي ثابت حيوان ليس له ذنب (ص١٩٧) فقد اضطر إلى أن يستغني عن هذه الزائدة استعدادا لأن يكون إنساناً مثلي ومثلك ومثل كواكب السينما، وأخيرا لا أوافق المؤلف على أن قطن الجزيرة يزرع في الشتاء ويحصد في الربيع. . بل يزرع في أواخر الصيف (ابتداء من أغسطس) ويحصد في الشتاء ابتداء من يناير. (ص٢٦٩)
وإني لأرجو من صديقنا السائح الفاضل رحلة سعيدة في الصيف الآتي وأن يتحفنا بعدها بكتاب عن تلك الرحلة وعن نفسه لا عن شيء آخر.