منذ ثلاثة أعوام جال محمد ثابت في ربوع أوربا، فلم يزل ينتقل من قطر إلى قطر حتى بلغ جزيرة أيسلندة وكان من الدائرة القطبية قاب قوسين أو أدنى. . . وفي الصيف التالي يمم شطر المشرق وجال في بلاد الهند والصين واليابان؛ وفي الصيف الماضي حملته السفينة باسم الله مجراها ومرساها إلى شرق أفريقية وجنوبها. فاخترق خط الاستواء للمرة الأولى (إذ لا أظنه اجتازه في جولته الآسيوية) ثم عاد إلى مصر بطريق البر والنهر (نهر النيل) مجتازا بلاد كينيا وأوغندة والسودان المصري.
وإني ليحزنني أن إعجابي الذي لا حد له بالرحالة محمد ثابت لا ينصرف إلى الكتاب الذي بين يدي الآن (جولة في ربوع أفريقية) فإن شخصية المؤلف لم تنصف شخصية الرحالة. ولم تقم بالواجب نحوها.
فتحت (جولة في ربوع أفريقية) وأنا أتوقع أن أطالع كتابا يصف لي رحلة المؤلف وحركاته وسكناته بدقة، ويصور لي كل شيء رآه، وما مر به من الحوادث. لكي أشعر أنني معه ألازمه في رحلته أسافر كما يسافر وأرى ما يرى. وهذه هي اللذة الخاصة التي أجدها في مطالعة كتب الرحلات. لكن محمد ثابت لم يفعل هذا بل أخرج لنا كتابا يتضمن بيانات (لا أنكر أن أكثرها نافع مفيد) عن جغرافية شرق أفريقية، وقد ضاع حديث الرحلة بين الفصول الجغرافية كما تضيع قطع الذهب وسط أكوام من التراب فكنت أجده لأقل المناسبات يترك موضوع الرحلة تماما، ويأخذ في كتابة فصل جغرافي في شيء من الإسهاب، ولكنه خارج عن موضوع الرحلة. ففي صفحة ٧٦ بيان طويل عن السكر وزراعته لا في أفريقية وحدها بل وفي غيرها من الأقطار، ويتكلم في صفحة ٥٦ و٥٧ عن بلاد روديسيا والكنغو مع أنه لم يرهما ولم يمر بهما، ويكتب فصلا طويلا عن جبل كلمنجارو مع أنه رآه عن بعد مائة كيلو متر، وفصلا عن تاريخ أوغندة أو عن نقل السفن إلى بحيرات فكتوريا منذ عشرات من السنين. وبيانا عن الكركدن ولم يره، وفصلا طويلا عن الشلوك اقتبسه من دراسته الخاصة لا مما رآه في رحلته.
وهذه التفاصيل الخارجة عن الرحلة قد طغت على حديث الرحلة حتى لم يبق منه إلا القليل. وإني أريد أن أذكر لصديقنا الفاضل أن أمامنا كتبا كثيرة نستخلص منها تاريخ أفريقية وجغرافيتها!. ولكن الذي بنا إليه شغف شديد، والذي يستطيع هو وحده أن يعطينا