للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نساء ورجالا، لا تعرف العربية وهي تتكلم الإنجليزية أو الفرنسية، ولهذا لا تميل إلى التمثيل سواء أكان بلهجة العامة أو باللغة الفصحى، وإن طبقة الدهماء لا رجاء منها ولا فائدة. أما الطبقة الوسطى وهي أقلية بالنسبة للطبقتين العليا والدنيا تؤثر اللهجة العامية لقربها من الفهم، ولأنها تنشد من المسرح التسلية والترفيه عن النفس، وينتهي بالدعوة إلى مسايرة الشعب ما دام الشعب لا يميل إلى غير التسلية والانبساط

قد يكون رأي صديقي هذا أكثر آراء الشبان تهاوداً وأبعدهم عن التعسف في الحكم على اللغة العربية وقواعد صرفها ونحوها، وتنوع مترادفاتها ووفرة مفرداتها، ولكن هل يجوز - على هذا القياس - أن نهمل اللغة ونعطل أداة التعليم ونحد من معرفتنا إرضاء لطبقة تؤثر التسلية والانبساط؟

إني قبل كل شيء أنزه الأمة بطبقاتها الثلاث عما قاله فيها صديقي الأديب، لأني أوقن أن نهضة الأمة محسوسة ملموسة بدليل أنه عندما تهم لحضور التمثيل تهيئ ذاتيتها كما تهيئها للصلاة أو لسماع خطاب أو محاضرة. وقد برهنت على هذا الاستعداد النفساني قبل عشرين أو ثلاثين عاماً بإقبالها على حضور تمثيل فرق عبد الرحمن رشدي وجورج أبيض والشيخ سلامة حجازي إذ كانت كل رواياتها تمثل باللغة العربية الفصحى، فما بالها وقد ارتقت بالفعل، وتطورت وفق نهضة العصر وأصبحت آدابها واضحة الازدهار؟ أقول: ما بالها تشكو اليوم مما قد استساغته بالأمس وأفادت منه خير فائدة؟

الأدب بخير، والآداب بخير أيضاً، وتقدمنا الثقافي مستمر، وإن كان ثمة من شكوى موجعة فهي من كسل الشبان ومن رخاوتهم وخنوثتهم ومن قعودهم عن سلوك مسالك الكمال، فلغة المسرح الرصين يجب أن تكون الفصحى كما يجب أن تكون لغة الرواية التي من نوع التراجيدي أسمى من لغة الرواية التي هي من نوع الدراما، ولغة الكوميديا أبسط من لغة الدراما. أما القائل باللهجة العامية للمسرح فهو مغرض أو كسول أو بعيد عن روح الأمة

ابن عساكر

<<  <  ج:
ص:  >  >>