وأشرقت الشمس، وبدأت ترتفع في الأفق بتثاقل، وكنا نهم بالعودة حين لاح لنا في الجو الصافي، طائران يطيران على مهل وقد اشرأبت منهما الأعناق، وانفردت الأجنحة. . وكان قد مرقا من فوقنا، حين أطلقت النار من بندقيتي، فسقط أحدهما على مقربة مني، وكان جثة هامدة قد مزقها الرصاص!
كان صدر الطير فضياً لامعاً، وحين رفعته بيدي أتفحصه في إعجاب، سمعت صوتاً يتردد من فوق رأسي في نغمات قصيرة ذات وتيرة واحدة استطعت أن أحس بالحزن ظاهراً فيها بكل وضوح. . وقد بقي هذا الطير المحزون يحوم حولنا ويرمق زميله المضرج في دمه في ألم قاتل وهم مرير.
كان كارل راكعاً على إحدى ركبتيه، مسدداً فوهة بندقيته نحو الطير المحلق فوق رؤوسنا. قال كارل - لقد قتلت الأنثى. . . وبقى الذكر يحوم حولنا ولا أظنه سيتركنا.
والحقيقة أن الطائر لم يذهب بعيداً عنا، ولم ينقطع نواحه الذي أحزنني كثيراً واشعرني بالندم على ما فعلت!
وابتعد عنا قليلاً فخيل إلي أنه قد ركن إلى الفرار بعد أن أدركه اليأس من أنثاه، ولكنه سرعان ما عاد إلينا وقد تجدد عزمه، واستأنف البحث عن إلفه والنواح على أنثاه، كأن هذا الفراق قد عز عليه، ولم يحتمله!
قال كارل - اتركها على الأرض، فهو حين يراها سيقترب منها وفعلا، ما كدت أتركها حتى اقترب منها غير مبال بالخطر المحدق به. . فقد أعماه حبه لأنثاه عن رؤية البندقية المفتوحة الفم وأطلق كارل بندقيته، فهوى الطير كالحجر!
ووضعت الاثنين في كيس واحد. . . كانا باردين كالثلج وقد خمدت منهما الأنفاس. . . وشعرت بالأسى يغمر قلبي. . فلم أطق رؤيتهما.