المتكاثفة، فكان إذا ما مس جسد أحدنا غصناً من الأغصان انحطم محدثاً صوتاً مدوياً يبعث الرعب إلى قلبي. . . يا للسكون، إنني أحس الآن في أعماق نفسي احساسات غريبة لم يسبق لي أن أحسست بمثلها من قبل. إن هذه الاحساسات التي تملأ نفسي لن تبرح ذاكرتي طوال أيام حياتي.
ولاح لعيني ذلك الكوخ الجليدي الذي أقامه أبن عمي لنحتمي به من شدة البرد. وكان وصولنا إليه مبكراً، فدخلناه لنسترجع أنفاسنا ونرتاح قليلاً، وانتهزت هذه الفرصة فتدثرت بغطاء سميك من الصوف، واستلقيت على الأرض محاولاً التماس الدفء، ولكن جدران الكوخ الشفافة ما كانت قادرة على صد هجمات الرياح الباردة، فبرد جسدي، وانتابتني نوبة من السعال أثارت اهتمام ابن عمي، فقال مداعباً ليس من الضروري أن نصطاد كثيراً اليوم. . . إنني أخشى عليك من الزكام!. . دعنا نشعل ناراً لعلك تدفأ!
وارتفع لهيب النار، ومس جدران الكوخ الشفافة كالبلور الصافي، فأخذت قطرات الماء تنهمر علينا كالمطر. وكان كارل خارج الكوخ حين ناداني في لهفة - تعال. . . تعال وأنظر! فعدوت إلى الخارج مسرعاً، وسرعان ما وقفت مدهوشاً ذاهلاً. . . يا للروعة!. . .
كان كوخنا الجليدي ذو الجدران الشفافة، والنار تتأجج فيه، يبدو كالجوهرة التي وقع عليها الضوء الساطع. فراحت تشع وتتلألأ!
وبينما كنا مسحورين بهذا المنظر الأخاذ، وكل شئ ساكن من حولنا، إذا بنا نسمع دوياً هائلاً ينبعث سريعاً خاطفاً من فوق رؤوسنا فيتبدد ذلك السكون الثقيل الذي كان يخيم على الحياة من حولنا!
ورفعنا أعيننا إلى السماء، فاستطعنا أن نرى سرباً كبيراً من الطيور يحلق غير بعيد عن رؤوسنا، ولمع في ظلام الفجر سيف من النور. . لقد أطلق كارل بندقيته، وهرولت كلابنا نحو الغابة ثم تناوبنا إطلاق النار كلما لاح لنا سرب من أسراب الطيور المهاجرة وكانت كلابنا تلهت من شدة التعب. . إلا أنها كانت مسرورة لممارستها هذه الرياضة المسلية. وكانت تحضر لنا الطيور المضرجة بدمها الحار، تلك الجريمة التي كانت ترمقنا دائماً بنظرات كلها أسى ويأس وعتاب!