للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت طريقة التأليف في عهود الاتقاء العلمي أن يأتي كلام المؤلف أكثر من شواهده، ولما ضعفت ملكة التأليف بعد عهد السيوطي أصبحت التأليفات عبارة عن نسخ أقوال من سلف، وقل أن تجد فيها جديداً للمؤلف، وربما كان الشيخ القاسمي رحمه الله، وهو من العلماء المنورين المكثرين من التأليف على هذه الطريقة في الجمع والنقل آخر من جرى على تلك الطريقة فاكتفى في أكثر تأليفه ببسط آراء غيره

أما طريقة التأليف اليوم فلإيجاز من دون إخلال بالمعاني، وإدماج آراء المتقدمين خلال تقرير المسائل، وإذا وقع للمؤلف بعض آراء متشابهة أشار إليها جملة واحدة، حتى لا يضيع على القارئ وقته وتملأ صفحات بلا داع. وعلى هذه الطريقة جرى المعاصرون من المصريين وغيرهم ممن كتبوا في موضوعات إسلامية أو عربية، تمثلوا ما وضعوه من المباحث أولاً ثم كتبوه في صحف لتنشر، مقتصرين على لباب ما قرأوا في موضوعهم، عازين ما لابد من عزوه لأصحابه تدعماً لأقوالهم من كتب القدماء أو المحدثين بأسلوب سهل سائغ خالٍ من الخطابيات والسجع، فجاءت مصنفاتهم كالسبيكة الذهبية، لا خلل في تضاعيفها ولا شقوق؛ وهم إذا اقتبسوا اقتصروا على محل الشاهد، وأعرضوا عن باقي ما قال المقتبس منه، لأن الكتاب ليس بكثرة أوراقه، بل بما حوى بين دفتيه؛ وكم من كتب للسلف وفت ورقاتها المعدودة بأكثر مما تفي المجلدات. وقد رأينا الكتب المنقحة عاشت أكثر من الكتب المطولة المنتشرة ولكل عصر ذوقه وطريقته

محمد كرد علي

<<  <  ج:
ص:  >  >>