وبعضها تتقدمه الأسود الضاريات، غير أنه ما تهيب ولا جزع، بل هجم عليها وبددها، فسرت روح الهزيمة والهلع بين جنود العدو وردوا على أعقابهم مخذولين.
وسعد علاوة على ذلك ابن بار بوالدته مخلص لدينه الجديد. وعلى الرغم من أمه لم ترض له الخروج على دين آبائه وأجداده وهددته بالصوم عن الطعام إذا أوغل في (غيّه) وتبع الدين الجديد، إلا أنه استطاع بلباقة وحصافة أن ينتزع من بين حنايا أمه غضبها، ويوفق بين شئون الدين والدنيا.
ثم هو صديق صدوق، لطيف المعشر، يوثق به ويعتمد عليه. شجاع لا يهاب القوة، ولا يخشى الضيم، سبّاق إلى المكرمات، عدّاء في ميادين البطولة، لا تلين له قناة ولا يفتر له عزم أو يصد عن قرار اتخذه. وفيّ لخلانه وصحبه حتى إنه نهر معاوية لأنه شرع يسب علياً، وأقسم يميناً مغلظة ألا يدخل داره مدى الحياة.
هذه الشخصية الفذة التي شهدت مولد الإسلام وعاصرت فتوته وأرست دعائمه وساهمت في نشر رسالته في بلدان شتى، وهذا البطل المقدام الذي رضى طوعاً بالجهاد والنضال والصراع والتشريد والتجريح والتعرض للأخطار، وهذا المؤمن الذي لم يدخر وسعاً في البدن أو المال أو الوقت إلا أوقفه على خدمة دينه، جدير ولا ريب بأن تسرد سيرته مفصلة، وتنشر في أسلوب عربي بليغ وإحكام روائي صادق، وتبويب زمني مرتب، على أحفاد العرب الأولين.
وقد بلغ الأستاذ عبد الحميد السحار القمة في تبيان مناحي شخصيته الفريدة ووصف ميادين الوغى وأساليب القتال ومصارع الرجال. وفي ختام كتابه أورد السحار خلاصة وافية لحياة سعد ابن أبي وقاص عرضت في ذهن الشيخ سعد كما يعرض الشريط السينمي على الشاشة البيضاء، فأغمض عينيه وقد اكتحلتا بنشوة الماضي وذكريات الشباب وأحداث الصبي وجد الظفر
(وانبهرت أنفاسه وخرج نفس ما عاد غيره، فقضى سعد نحبه في قصره بالعقيق على مسيرة عشرة أميال من المدينة. ولما بلغ أهل المدينة خبر موته، انطلق الرجال إلى داره وجهزوه. . . وتوجهوا إلى البقيع ليقبروا آخر أهل الشورى ودمعهم جار وحزنهم عميق).