كتاباً كبيراً للأستاذ المؤلف هو (الثورة العربية الكبرى). ومن هذين الكتابين تدرك مقدار اهتمام الأستاذ أمين بالشرق العربي ومدى حماسته له. أما هذا الكتاب فيقع في نحو مائتين وخمسين صفحة، جيد الطبع متين الورق، وكسائر كتب الرحلات يجمع بين اللذة والفائدة ولا سيما أن موضوعه العراق، ذلك القطر الفذ في تاريخه. أفتتحه المؤلف الفاضل بفصل في النقد في بلاد العرب، ثم بأخر في سكة حديد فلسطين والاستعمار الصهيوني، وبعد ذلك تبتدأ رحلته في فصل عنوانه إلى بغداد، فينتزعك من وسطك ويسير بك إلى تلك البلاد، فإذا أنت معه على ضريح المغفور له الملك فيصل، ثم إذا بك كأنك ترى حفلة التأبين الكبرى، فوصف الأستاذ دقيق، والموضوع ذاته يستهويك ويحيطك بجو خيالي ملئ بالصور. وقد حافظ الأستاذ على هذه الدقة في وصف جميع الأماكن التي زارها والحفلات التي حضرها، ثم أنه لم يقتصر على الوصف وعلى إيراد ما رأى، بل تراه يحدثك عن بعض المسائل الهامة في العراق كالعمران في بغداد والمدرسة العسكرية في الكرادة ونهضة التعليم في تلك الديار؛ وما هو أهم من ذلك كمدى نفوذ الإنكليز هناك ومعسكراتهم ومطارداتهم، وأخيراً تراه يحدثك عن الآشوريين وأحوالهم حديث من رآهم وخبرهم بنفسه
وأنا وأن لم أرى العراق أحس أنني قد استفدت من هذا الوصف، ووقفت به على كثير من المسائل التي كنت أجهلها والتي كانت تشغل ذهني كما أني استمتعت به كما لو كنت أرى هاتيك الصور على الشاشة البيضاء، إما من حيث مطابقة ما ذكر الأستاذ للواقع ومقدار إحاطته بضروب الإصلاح والتعمير في العراق، فأمر في ذلك متروك للقارئ العراقي ولمن زار العراق من أبناء وأهل الأقطار العربية.