عليها فهم الأدب فهماً صحيحاً، وهذا واضح في القسم الأول من الكتاب، أما في القسم الثاني حيث سمح المنهاج للأستاذ بالتحليل والدرس الدقيق، فقد تجلت براعته وأصالته وحسن ذوقه. فإذا نحن نقدنا الكتاب في شكله الحالي ككتاب مدرسي لا يسعنا إلا أن نضعه في عداد الكتب المدرسية الممتازة، كما لا يفوتنا أن نرجو الأستاذ الفاضل أن يستغل عامه ومقدرته في بسط ما أجمل في رسالة أخرى تنفع المتأدبين عامة.
أنتقل بالقارئ بعد ذلك إلى البحث الطريف، الذي أضطلع به الأستاذ العالم التونسي الفاضل حسن حسني عبد الوهاب، وهو بحث تاريخي أدبي في حياة النساء النوابغ بالقطر التونسي من الفتح الإسلامي إلى الزمان الحاضر. ذكر الأستاذ في مقدمة كتابه أن ما دعاه إلى وضعه ما جرى من حديث بينه وبين صديق له حول الكتاب المسمى (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) وقد أشار عليه صديقه أن يضع كتاباً في شهيرات التونسيات، فهزته إلى هذا العمل عاطفة قوية كان ثمرتها هذا الكتاب الذي أحدثك عنه. فقد تكلم فيه الأستاذ عن نابغات النساء في تونس في الدور العربي، والدور الأغلبي، والدور العبيدي والدور الصنهاجي، والدور الحفصي، والدور التركي، والدور الحسيني، وترجم في هذه الأدوار جميعاً لعدد من كرائم السيدات، مبيناً مآثرهن وأدبهم في حديث طلي وعبارة قوية. ولن تقف أهمية هذا الكتاب عند الترجمة لهؤلاء الأوانس، بل أنك لتجد المؤلف الفاضل يربط الموضوع بالتاريخ في مهارة وكياسة، فتجد في كل دور من هذه الأدوار التي مر ذكرها ظلاً للعصر الذي يقع فيه، وتطالع ألواناً مختلفة من الألوان الحياة الاجتماعية، ومألوف العادات والتقاليد، هذا فضلاً عما كان يبثه المؤلف في ثنايا الكتاب من الحكمة والأدب والموعظة الحسنة، والطرف الأدبية، مما هو جدير بمن كان له مثل أريحيته وأدبيته، وإني إذ أقدم هذا المؤلف الطريف للجمهور القراء في العالم العربي أمل أن يحذو حذوه المؤلفون في الشرق، فما أحوجنا في نهضتنا الحديثة إلى المثل العليا في عالم المرأة، وما أجدرنا أن ندفع عنها تلك الاتهامات القاسية التي توجه إلى المرأة الشرقية في غير تحرج ولا استحياء، وفي كثير من الجهل والإدعاء.
أما أيام بغداد فهو كما يعرفه الأستاذ المؤلف أمين سعيد، وصف شامل لنهضة العراق الحديثة ولمعالمه التاريخية، والقارئ يذكر أن الرسالة قد قدمت إلى قارئها منذ وقت قريب