للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تسلبه محفظته المنتفخة بالدنانير.

كنت أرقبها خلسة، فرأيتها تضع رأسها وشعرها وتدفن عطرها ودلالها في صدر الرجل، وتداعب بأناملها اللطيفة وجهه وتفرك بلطف أذنيه، وسمعتها تتحدث إليه بالفارسية وقد رسمت على وجهها صورة صادقة التعبير لغرام عنيف وحب عظيم، وسمعت أحد الصديقين يفسر (لأبو شوارب) كلمات المرأة الفارسية على أنها غزل وغرام عاصف به، فانتشى (أبو شوارب) وانتفخت أوداجه، وتراقصت على شفتيه شواربه، وما كان منه إلا أن دس بين نهديها بورقة مالية ذات مائة دينار!

وفجأة. . رأيت صبياً صغيراً. أقترب من المقاصير وراح يتفرس في وجوه الجالسين، فلما وقعت عيناه على (أبو شوارب) أسرع إليه يصيح. . بابا. . بابا. . أسرع بربك. . . إن أمي لفي حاجة إليك.

ولكن بابا ساعتئذ كان في عالم آخر. . . قد أفقدته الخمرة شعوره، وسلبته الفارسية وقاره، فأخذها من يدها ومضى بها إلى مقصورة جانبية ليتم معها السهرة، ولما سمع صوت ولده وهو يبكي ويولي هارباً لفظ من فمه كلمة سباب ثقيلة استأنست بها الراقصة الفارسية - فأطلقت هي الأخرى كلمة مقابلة اتبعتها بضحكة فاجرة وسارت مع صيدها الثمين.

ومع خيوط الفجر الحمراء. . . عاد (أبو شوارب) إلى داره ولكنه ما كاد يقترب منه بضع خطوات، حتى ألفى الناس متجمهرين على بابه، وسمع صراخ النسوة يتعالى من داخله. . . فأطلق ضحكة طويلة، وقال: مات؟. . . الحمد لله.؟

وتابع سيره من غير أن يدخل الدار!

البصرة. عراق

يوسف يعقوب حداد

<<  <  ج:
ص:  >  >>