مآقيها!. . كيف لا تبكي، وهذا زوجها لا يكاد يلتفت إليها أو يحسب حساباً لبيته ولأولاده!
كانت تخافه وتخشاه لما عرفت فيه من خشونة وقسوة، ولكنها كثيراً ما كانت تضيق ذرعاً بأساها، وينفذ معين صبرها فتروح تعاتبه، أو تلومه، فتتلقى من يده الفولاذية عشرات اللكمات، وينزل على أم رأسها آلاف اللعنات!. . ولولا أنها كانت تنتهز فرصة سكره، واستغراقه في النوم، فتمد يدها إلى جيوبه، تبحث في زواياها عما أفلت من يد الراقصات أو المومسات، لما كانت تلقى ما تنفقه على أولادها وبيتها!
كانت الزوجة المسكينة تعاني كثيراً من العذاب والأسى والمرارة، ولشدة ما كانت تعاني جف اللبن في ثدييها وطفلها الثالث لا يزال رضيعاً، فاضطرت إلى الإسراع في فطامه وظل في حاجة إلى اللبن، وكان غذاؤه بسيطاً يعوزه الكثير من العناصر التي تساعد على النمو، فهزل جسده، وذبل عوده، ثم ما لبث أن لحقه السقام، ولم يعد يكف عن الأنين والتوجع. . . وكان كبد أمه يتفتت، ونياط قلبها يتمزق، حين تسمع أنين ولدها وتعجز عن تخفيف الألم عنه، وأبعاد الأذى عن جسده النحيل وأبوه القاسي القلب، لا يريد أن يعرف أن ولده يكاد يموت، وأنه في حاجة إلى الطبيب؛ لأن ذلك يكلفه مالاً! فراحت المسكينة تحمل ولدها من عجوز إلى عجوز، تطلب عندهن الدواء الرخيص والشفاء الكاذب!
وذات يوم كنت في مقصورة جانبية في أحد الملاهي، فرأيته يدخل الملهى مع أثنين من زملائه الأشرار، واتخذوا مجلسهم في مقصورة مجاورة لي، فكنت اسمعهم يتحدثون، وأراهم يشربون ويعبثون، حتى قفزت إلى المسرح راقصة فارسية راحت تبدي من فنها الرخيص ما يلهب الحواس وفي جسدها المكشوف ما يسير الشهوات، فإذا صاحبنا كله عيون وكله آذان، وإذا هو يبدي إعجابه بالراقصة ويعلن لزميله رغبته في مجالستها، وفعلاً ما كادت الفارسية تنتهي في أداء (نمرتها) حتى أشار إليها أحد الصديقين إشارة فهمت معناها، فأقبلت ضاحكة لاهية، وجلست على ركبتي صاحبنا (أبو شوارب) فإذا هو يفرط نشوته، يأمر بزجاجة كاملة من (الويسكي) يشهد الله أن سعرها لم يكن يقل يومئذ عن العشرين ديناراً إن لم يزد!
قلت لنفسي وأنا أرقبها من بعيد: (يا لها من خبيرة! إنها تعرف دخائل النفوس، وتجيد قراءة الوجوه. لقد رأت رغبة الرجل، وأحست بالنار المتأججة فيه، فعرفت كيف ترضيه، وكيف