للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما يؤذيه

ومر الزمن فأحس ملاك الحزن بالوحشة وآلمته الوحدة فراح يحدث نفسه على هذا النمط: لم يعاملني الروح الأعظم على كل حال معاملة عادلة. لماذا لم ينتظر عودتي قبل تكوين الإنسان وخلقه؟ وأي فخر وأي مجد يعود على من الجلوس هنا أرقب شيئاً قد تم صنعه وكمل تكوينه؟ وهل يوازن هذا الاشتراك الفعلي فيه كما اشترك إخواني الملائكة الآخرون؟؟

واختفت حينئذ البسمة التي علت وجهه من قبل، ووضع وجهه بين كفيه، وانهمرت دموعه على خديه، ونسى بذلك ما عهد إليه من حراسة الإنسان، فتساقطت الدموع كالمطر على الجسم الذي كان قد بدأ يجف، وعندئذ علق الغبار بمواقع الدموع، واستقرت بها الحشرات فشوهت بها الصنع الكامل الجميل

وجاء الروح الأعظم بعد ذلك بأيام قلائل تحف به الملائكة من كل جانب ليشهدوا مدى التقدم الذي أصابه الخلق الجديد؛ فلما رأوا ما فعل الحزن به لازموا الصمت، إلا ملكاً واحداً هو ملاك العطف والحنان، فإنه لم يكد يرى الفساد الذي أحدثه إهمال أخيه حتى أجهشه البكاء، وأسرع إلى الجسم يزيل ما علق به من غبار، ويرفع ما استقر به من حشرات

وقضى على ذلك أياماً طوالاً يحدوه الحب وتدفعه الرحمة حتى أتم عمله، واصلح ما أفسده أخوه. فناداه الروح الأعظم وقال: ما ارفع مكانك، وما اجل شانك في الخلق! لن يستطيع إنسان قط أن يقدرك حق قدرك. لتكن مباركاً مني. اذهب لتأدية رسالتك، فأبك مع البائسين، وافرح مع السعداء المغتبطين، ومهد الطريق للمجهدين المتعبين، وخفف العبء عن الذين أثقلت كواهلهم مشقات الحياة. أما أخوك ملاك الحزن فلا مكان له في السماء ولا نفع منه في الأرض. . . انظر! ما شوه عملي العظيم إلا هو.

(الإسكندرية)

إبراهيم عبد الحميد زكي

<<  <  ج:
ص:  >  >>