للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً).

هكذا يعالج الأستاذ الفاضل موضوعاً خطيراً كهذا، فيقول كلاماً هو بعينه ما يعرفه المتعلمون وغير المتعلمين والمتربون وغير المتربين، مع أن البحث العلمي يستلزم الإجلاء عن الوسائل المؤدية إلى هذه الغايات التي ذكرها المؤلف، فيبين لنا بطريقة عملية كيف ننشز عظام الولد وننبت لحمه رضيعاً إلى آخر ما ساقته هذه الوصايا الذهبية والحكم البالغة في ذلك اللفظ الخالب والسحر الغالب. عفواً سيدي الفاضل، فالتربيب شيء عملي يضعه أهله بعيداً عن استمراء الألفاظ وإضاعة الوقت في صناعة العبارات، الأمر يا سيدي أخطر من هذا وأدق، والتخصص وحده هو الذي يخرج للناس الكتابة الفنية التي يحتاجون إليها في الحياة حاجة عملية.

وثَمَّ فصل آخر عنوانه (الغريزة)، يعالجها الكاتب الفاضل في صحيفة واحدة من ذلك السفر الضخم، فلا يعدو أن يحددها بأنها الأعمال غير الإرادية، ثم يفرق بين العقل والغريزة في هذا الكلام المنمق الجميل:

(العقل حر والغريزة عبد، العقل علم والغريزة حدس، العقل بصير وهي شعور، العقل نور يتدرج والغريزة برق يخطف، العقل ضوء النفس وهي سنا الحس، وإذا العقل وقف للتدبير فهي تقفز للوثب والمسير).

فهل يكفي ذلك القصيد المنثور لبحث الغريزة في كتاب عنوانه (التربيب)، وأين يا سيدي علاقة الغرائز بالتربية وأثر التربية في تعديلها وعلاقة ذلك كله بحياة الأطفال؟؟

وأخيراً لا بد من الإشارة هنا إلى أن الكاتب الفاضل يهتم اهتماماً شديداً بحشر الكلمات اللغوية في كتابه كما يصنع كتاب المقامات، ثم يجاوز هذا إلى شرح هذه الألفاظ والتعليق عليها، وهذه المحاولات لا شك تجعل الموضوع مفككاً وتصرف الكاتب عن المعاني، ولا سيما إذا عرفنا أن الأسلوب العلمي يتميز عن الأساليب الأدبية الأخرى بالسهولة وعدم التكلف في البحث عن الألفاظ.

هذا ما نقوله عن الكتاب، أما شخصية المؤلف ذاته فإنها تبدو من خلال كتابه رزينة وقورة رائدها الخير وغايتها إسعاد المجتمع.

عبد الفتاح السرنجاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>