التدريس. والواقع أنني وأنا أعلم تلاميذي إنما أترك بطريقة غير مباشرة آثاراً خطيرة في خلقهم، وطرق تفكيرهم ومثلهم العليا دون أن أقول لهم أني أربيكم وأعدكم إعداداً خاصاً. ذلك أن سلوكي معهم وموقعي إزاء سلوك بعضهم مع بعض، وتعليقي على بعض الدروس الوجدانية كالتاريخ والتربية الوطنية لا شك تؤثر في المتعلمين بحيث تكون وسائل لإعدادهم لغايات بعيدة هي السلوك الطيب القويم في الحياة المستقبلية.
لنترك ذلك الخلاف ولنعرض لأمر آخر هو أن المؤلف لم يعالج الموضوعات علاجاً فنياً دقيقاً، ولست أجد في التدليل على ذلك أبلغ من تلخيص فصلين من الكتاب تلخيصاً أميناً دقيقاً؛ الأول عنوانه (كيفية التغذية) يقول في أوله إن غذاء الطفل يبتدئ وهو جنين في رحم أمه بالسُّحد والحولاء والغرس. وبعد الوضع يكون الغذاء بالرضاع سنتين، (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)، والتغذية بعد الفطام يشترك فيها الوالدان حتى يبلغ الطفل أربع عشرة سنة. وسنة الكون لا تكلف الإنسان اختيار المأكولات، فنظامها الدقيق ينتج الأشياء في وقت حاجة الناس إليها. ويختلف بعض الأطباء والفلاسفة في نوع غذاء الطفل، فمنهم من يحرم عليه الحلواء والفطير والفاكهة ومنهم من يحض عليها، وإني لا أرى مجالاً لهذا الاختلاف الذي ينحسم باتباع الاعتدال والقسط ومراعاة الظروف والأحوال، وأما من أشار منهم بإعطاء القليل من الأنبذة فإني لا أرى رأيه، وأما المشروبات الروحية الأخرى فإنها تهدم الجسم وتسلب العقل. وهنا يقول المؤلف كلاماً طويلاً في مضار الخمر ويستشهد بالآية الكريمة:(إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) وبعد هذا يقول ما يأتي: (حسنوا تقويم الولد جنيناً، وأنشزوا عظامه وأنبتوا لحمه رضيعاً، وعللوا بالغذاء ليجزأ عن اللبن فطيماً، وناولوه الأكل أدنى تناول فصيلا، وأحسنوا غذاءه اللَّذ صبياً، وأترفوه يافعاً، وأعظموه مراهقاً، ثم ألقوا حبله على غاربه) وبعد أن فصلنا للناس نختم المقال بهذه اللآلئ القرآنية:
(يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
(قل من محرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق الخ).
(والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون).