انقضت خمس دقائق ثم تلتها عشر والصمت لم ينفك مخيما على المقبرة. . . وعلى حين غرة. . . قطع هذا الصمت صوت صفير سرى في جنح الليل. . . فقال الغريب إثر ذلك وهو يطلق ذراع الحارس:(حسن. . . الآن. . . امض. . . امض، واذكر أن الله يرقب أعمالك الشائنة. . .)
ثم أطلق صفيراً - يشابه سرى مذهنيهة - وانطلق خارجاً من باب المقبرة. . . وسمعه الحارس وهو يجتاز الخندق قفزاً ووقف الحارس هنيهة جامداً لا يتحرك. . . يرتعد فرقاً. . . كأن الغريب ما زال ماثلا أمامه.
ولما انقلب عقبه في المطربة طرق أذنه أصوات لأقدام تتسارع في سيرها، وسؤال يجري على لسان يقول:(أنت (تيموفي)؟ أين (ميتكا)؟) وابتعدت عنه الأصوات فراح يجد في سيره حتى لمح شعاعاً يخفق في الظلام. . . فلما أمعن في الدنو، وضح له الشعاع فراح يردد:
- كأن النور يشع من الكنيسة!. من أين أتى هذا الشعاع يا إلهي. . . فرج كربتي. .
دار الحارس حول الكنيسة حتى وقف أمام نافذة محطمة فراح يحملق نحو المذبح. . . في هلع وفزع. . وكانت هناك شمعة خلفها وراءهم اللصوص تخفق في رهبة، وتلقى الظلال الدامسة في الأرجاء. . . وقلب الحارس طرفه فرأى الخزانة مقلوبة محطمة وقد فتحت على مصراعيها، واختفى ما كان بها من كنوز وأموال. . .
وكذلك ذهبت القرابين وغيرها. . وأدرك الحارس سر ذلك الرجل الغريب الذي راح يداوره ويبعده عن الكنيسة حتى يهيئ الفرصة لزملائه اللصوص. . .
ومضت برهة، وعادت الريح تعصف وتصفر في جنون وكأنها تسخر من ذلك الحارس المسكين