للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علماء النفس مهما اتسعت آفاق علمه أن (يصور) لك الأناني أو المخاتل أو الغيران أو الجشع أو اللئيم أو غير هؤلاء كما يستطيع أن يفعل رجل الفن، فرسم الصور الحية عمل ذلك الفنان ومنها تأخذ من المعاني ما شئت وشتان بين الصورة الحية والمعاني المجردة؛ وهل قامت عظمة شكسبير ودكنز وجوته وهوجو وراسين وأضرابهم إلا على ذلك الفن الذي يخلق من المعاني الحياة؟ وإنك لتستطيع أن ترد نجاح توفيق الحكيم ونباهة شأنه إلى هذه الموهبة الفنية أكثر مما ترده إلى أي شيء آخر

وأحب أن أشير هنا أن شخصية محسن هي كما يدرك القارئ دون عناء شخصية المؤلف نفسه تتجلى هنا كما تجلت في قصة (عودة الروح) كما أحب أن أشير على الرغم من ضيق المجال أن هذا الكتاب يقدم لنا دليلاً جديداً على أن فن توفيق الحكيم في القصة فن غير مقصور على ناحية معينة، ولقد قدم لنا في أهل الكهف وشهرزاد لونين من ألوان القصة المسرحية، ثم أرانا في عودة الروح لوناً من ألوان القصص غير المسرحية، وفي يوميات نائب في الأرياف أتى بنوع جديد يعد من القصص الإصلاحية، ثم هو في هذه القصة الأخيرة يأبى إلا أن يبتدع فهو كما ترى لا يتخصص في نوع واحد، ولكنه مع ذلك يسمو في كل نوع سمواً يشعرك في كل قصة كأنه أوقف على لونها فنه ومواهبه، ولقد يحسب بعض النقاد هذا مستحيلاً أو يعدونه نقصاً ويستشهدون على ذلك بأن كثيراً من كبار القصاصين يقتصر الواحد منهم على لون لا يحسن غيره، ولكن توفيق الحكيم يقيم الدليل القاطع على غلوهم في هذا الزعم، وماذا عسى أن يحول بينه وبين الإجادة في كل نوع والمسألة كلها مسألة قصص وهذا فن ركب في فطرته وإن له من قوة روحه وعمق فلسفته وسعة ثقافته لمعين لا ينضب؟ إننا لا يسعنا كما أسلفت في معرض آخر إلا أن نعتز بفن توفيق الحكيم كمظهر من مظاهر نهضتنا الثقافية وما أحوجنا إلى أمثاله في جميع نواحي حياتنا الأدبية والعلمية. أجل ما أحوجنا إلى أمثاله النابغين الذين يردون بالعمل الناضج الفذ على الذين يرموننا بالقصور ويمكرون علينا استعدادنا للتفوق. فليتقبل مني الأستاذ النابه هذه العجالة تجلة معجب وتحية صديق

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>