للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالفتاة ومجالستها ومصاحبتها حتى يصطدم بالواقع ويرى أنها لا تحبه وأنها تخدعه فيكون موقفه - كما صوره المؤلف - موقف آدم عند خروجه من الجنة. . .

تلك هي الحادثة، وهي كما ترى بسيطة غاية البساطة، ولكنها على بساطتها مليئة بألوان السحر والفن فوصف شعور محسن في حبه يبهج النفس ويملأها نشوة، وبراعة الحوار والمناجاة هي السحر بعينه، بله دقة الفن وحسن سبكه

على أن خطر الكتاب وقيمته - كما قدمت - في فكرته؛ ولقد استطاع قصاصنا الكبير أن يدلي بآراءه على ألسنة أشخاص صورهم أحسن تصوير وأبرعه، فهذا هو محسن وهذا هو أندريه الغربي الذي لا يعرف خيالاً ولا شعراً؛ والذي يعتبر نقيضاً لمحسن يهزأ به وبأحلامه يسوقهما المؤلف لترى فيهما روح الشرقي وروح الغربي، ثم هذا إيفانو فيتش الروسي العامل الذي يجري المؤلف على لسانه الجزء الأكبر من فلسفته، ثم هذه هي سوزان الباريسية الحسناء التي أحبها محسن إلى غير هؤلاء من الأشخاص الذين صورهم المؤلف أصدق تصوير وأجمله؛ ولو أني أردت أن أدلك على مواضع الجمال والقوة فيما جرى على ألسنتهم من آراء لدللتك على الكتاب كله، ولست - شهد الله - أغلو في ذلك ولا أسرف؛ ولم يقتصر المؤلف الفاضل في تصوير حياة الغرب على الآراء التي أجراها على ألسنة هؤلاء الأشخاص، بل لقد صور لنا عدة مناظر من الحياة ذاتها كالأسرة التي كان يعيش فيها قبل انتقاله إلى المنزل وكالمسرح وحفلات الموسيقى وغيرها فأحاط كتابه بجو بديع؛ ولم يكن - شأنه في ذلك شأن الفنان المتمكن من فنه - يعرض من الصور والمناظر إلا ما يستلزمه إبراز الفكرة الفلسفية التي تدور عليها القصة؛ أنظر إلى الولد الصغير يوحي إليه بمحاربة البوش والشيخ المسن يبدي تذمره واستيائه إذ يعرض لحال العمال وربة الأسرة تخشى أن يرحل محسن إلى جهة أخرى ولا مرتزق لهم إلا ما يدفع من أجر تر صوراً قوية أخاذة لحياة الغرب يقدمها المؤلف بين يدي فكرته في مهارة تحملك على الإعجاب. . .

ولقد كان في التعبير عن فكرته بهذه الطريقة موفقاً جهد التوفيق، فليس أوقع من الإيحاء والإشارة في تصوير المعنى الفلسفي المراد؛ تجد ذلك في الشعر وهو الصور القائمة على اللفظ وتجده في التصوير بالألوان، وتجده في الموسيقى؛ ولعمري ما يستطيع عالم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>