- لقد كنت خادعاً مخدوعاً، فإنه لا يستطيع أحد أن يخلص من ماضيه، ولا أن يعيش بدونه مهما كان محفوفاً بمكاره الذكريات. إني جهدي أن استجمع صورتها الكاملة فلا أقدر على ذلك.
فقال الكاهن: ليس هناك ماض ولا حاضر ولا مستقبل. الزمان واحد والمكان واحد. وليس الماضي آنية ثمينة تحطمت فتنحني ثم تركع لتجمع شذراتها المتناثرة لتعيد إليها الحياة بالرتق والترقيع كالثوب القديم. أن الحياة وحدة منسجمة لا تتجزأ أو تتمزق أو تتغير ألوانها. وسار الكاهن في طريقه فما كان أشد فرح السائح عندما ظفر بهذا الروح الجديد ينبعث إلى قلبه وعقله! ورأى في أول الأمر أن يتشبث بالتمثال فاستمسك به حيناً، ثم استغنى عنه لأنه وجد التطهير في قلبه، وعلم أن تلك التي أهمل شأنها كانت هي التي أنقذته من الخبث والحقد والحسد ومحاولة التحديق في وجه خالقه، وهي التي قادت قدميه في غفلة من إرادته، ويقظة من روحه، إلى هيكل نيبوس إله النور. إذا كانت إينوبيا وفيدور قد عاشا وتألما وتمتعا في حياة سابقة على الحاضر بخمسمائة عام خلت، فهذا هو الخلود نفسه، وهذا هو الدوام الذي لا فناء بعده. لقد قصد إلى الهيكل هارباً من الدنيا لما راعه ما بها من فساد وهاله ما فيها من تهتك، وأدهشه ما رضيه أكثر أهلها من إباحة، فماذا يصنع وهو لا يملك أن يطهر الدنيا ولا سيما مدينته مما عراها، ولا يقدر على أن ينفي أهل الخلاعة والخيانة والغدر من أوطانهم؟ وعندما بلغ تلك النقطة من التفكير سمع صوتاً من نفسه يناديه:
فيدور! أيها الهارب! طهر نفسك أولاً، فإذا بلغت هذه الغاية فقد صرت قادراً على تطهير الآخرين.