لي فهو نوع من استعادة الحياة نفسها في هذا الحجر الأزرق وذاك المرمر المسنون. بالله عليك يا سيدي الكاهن خبرني كيف استطاع مثّال عاش في القرن الخامس عشر أن يتخيل ثم ينحت في الحجر الصلد الأزرق هاتين الأذنين الدقيقتين وأن يجعلهما جميلتين مرهفتين كما رأيتهما وشعرت بجمالهما؟ فقال الكاهن: تقول أنه تخيل ثم نحت؟ على رسلك يا سيدي، إنه لم يتخيل ولكنه رأى وأحب وتعذب. فقال فيدور: رأى الأذنين الجميلتين المرهفتين كما رأيتهما وعرفتهما وشعرت بجمالهما. . .
فقال الكاهن وهو يبتسم ابتسامة غامضة ماكرة: وهل تمكن ذلك المثال الحاذق أن يكسب العينين شيئاً من الشبه يقربهما إلى ذاكرتك كما صنع بالأذنين؟
قال السائح: العينان تكادان تشعان بنورهما الإنساني وهذه الجبهة العالية المشرقة التي خلعت على صاحبتها جمالاً ونبلاً، ثم هذا الأنف الشاذ الذي كانت إينوبيا تزعم أنها عثرت وهي طفلة تجري وتمرح فأصابها جرح جعل أنفها كما هو.
فقال الكاهن: عجباً عجبا! أراك تتذكر كل شيء عن تلك التي أحبتك وهجرتها، بل فررت منها، ومن العالم الذي يحتويها.
فقال السائح: الآن لا أفر منها وقد جمعتني بها المقادير.
الكاهن: ولو كانت صخرة صماء لا تنطق كهذه؟
السائح: لا تنطق؟ أن فمها بشفتيه الرقيقتين يكاد يناديني!! بربك قلي بأية معجزة تخلق أمرأتان بهذا الشبه المحير، وتعيشان في زمانين مختلفين، وهل تظن أن تلك المرأة التي نقل عنها ذلك المثال البائد، كانت تشبه إينوبيا كل المشابهة.
فتهجم وجه الكاهن وقال: لا تقل المثال البائد، فإننا في عالم لا تبيد فيه ذرة فكيف تبيد فيه الأرواح والإيرادات؟ وأظن أن المشابهة لم تكن مقصورة على الوجه بل كانت شاملة للخلق والروح. لا شك عندي في ذلك يا سيدي!
وعندما سمع السائح هذه الكلمات أسف على ما كان منه نحو تلك التي أحبته وشعر أن إينوبيا كانت ملكاً أرسل إليه لإنقاذه في صورة خفية، ونظر إلى الكاهن قائلاً.