للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إينوبيا، والمثال فيدور. فدارت الدنيا بالسائح، لأن فيدور كان أسمه هو، وأحس بأن الأرض تميد تحت قدميه، ولكنه تجلد واستنجد بكل ما كان له من قوة إرادة وعزم ليبقى قائماً على عوده. وفي لحظة شعر بأنه لن يقوى على الوقوف فتحامل على قدميه حتى دنا من التمثال وارتكن إليه (فيدور - إينوبيا) وقد رأى الكاهن كل ما جرى له، ولكنه لم يمد له يد المعونة ولم ينطق بكلمة وبقي كمن لا يريد أن يضن على صاحبه بجواب على سؤال، ولن يتعدى هذه الحدود، فلما ظن السائح أنه قد استعاد شيئاً من قوة جسمه وروحه قال:

أيمكن يا سيدي أن يتكرر اسم شخصين بعينهما وجنسهما وهيأتهما وخلقهما في فترتين من الزمن أو فترات عدة؟

فقال الكاهن: لم أفهم سؤالك وإن كنت أوشك أن استشف معنى بعض ما ترمي إليه. تقول إنك إذا كنت أنت فيدور وقد أحببت امرأة أسمها إينوبيا في حياتك هذه وعصرنا هذا فهل يمكن أن يكون قد عاش قبلكما في ماض قريب أو سحيق شخصان مثلكما مخلوقان على شاكلتكما؟ وهل هذان الشخصان هما نفسهما اللذان عاشا في الماضي والحاضر، أم أنهما خلقا على غرار السابقين لهما؟ أن لم يكن إدراكي قد اقترف جناية الخيانة العظمى فلا بد أن يكون هذا محور سؤالك أو نحوه.

فخارت قوى فيدور لحداثة عهده بقوة الروح التي توحي مثل هذا الكلام وذلك العلم الكشاف. وقال: نعم نعم هذا سؤالي بعينيه. فابتسم الكاهن وقال: أن هذا الذي تخيلته من أبسط الأشياء. إنه الحقيقة بعينها، وإنها لا تدعو إلى الحيرة التي تبدو عليك. . ثم قال له: أدن من التمثال وألمسه.

فقال السائح: لن أجسر على لمسه. إنه في نظري أقدس من أن يمس. فقال الكاهن: لم يدر بخلدي أن شاعراً متحرراً مثلك يعيش في هذا القرن العشرين تستهويه تحفة مصنوعة منذ خمس مائة عام. على أن الجمال ليس مطلقاً ولا تاماً ولا قريباً من الكمال فإن الأذنين أدق من الآذان الأنثوية وفي الأنف شذوذ لا يجعل صاحبته ذات فتنة.

فقال السائح سامحني يا سيدي الكاهن إذا لم أوفق إلى رضائك بقبول نقدك فإنك لا تعلم ما أعلم ولا تشعر بما أشعر. فأدار الكاهن وجهه ليخفي ضحكة غامضة. واستمر فيدور في حديثه فقال: إنه ليس شبهاً، ولكنه صورة طبق الأصل، ولعله أكثر من هذا بعد الذي قلته

<<  <  ج:
ص:  >  >>