المحطمة حتى الموت، أنا أفهم وأقدر بل وأعجب بجميع التضحيات، ولكن حين يكون لها حدود تنتهي إليها، لهذا فأنا أستنكر من نفسي أن تحرم فتاة جميلة نفسها لأجلي من كل ما تهفو إليه جوارحها ونفسها من سعادة وملاذ وأحلام للصبا وللجسد أيضا، كل ذلك كي يقال عنها إنها عفيفة ظريفة كريمة، ثم كيف أطلب منها هذا وأنا نفسي حين أسمع على أرض الدار وقع عكازي وأنا أمشي وأحجل، أنا نفسي حسن أسمع هذا الصوت الذي يشبه وقع أقدام البغال يجيش في نفسي الحنق فأود خنق خادمي، وهل تظن أنه يمكن أن يقبل الزوج من امرأة أن تتسامح في شيء هو نفسه لا يغتفره لنفسه، ثم أتعتقد وتتصور أن ساقي الخشبيتين هاتين جميلتان في النظر فاتنتان للعين؟ وسكت وسكت فما عساي مجيبه؟ إن كلامه الصدق فهل بوسعي أن ألومه أو أخطئه، ثم سألته فجأة:
- هل لمدام فلوريل خطيبتك المتزوجة أولاد؟!
- نعم، طفلة وصبيان، ولهؤلاء الأطفال ما احمل من لعب في هذه الصرر كهدية، إنها وزوجها طيبان، وكان القطار في هذا الوقت يصعد ملتقى خطوط (سان جرمان) ثم يمضي تحت الأنفاق المتعاقبة في المحطة، ثم يقف، وعزمت على تقديم ذراعي تكأة للضابط الكسيح كي يستعين عليها في النزول من القطار لولا أن يدين امتدتا من باب القطار المغلق لمساعدته
- نهارك سعيد يا فاليه، فأجاب صاحبي الضابط
- سعد نهارك (يا فلوريل)، وقد كان خلف الرجل امرأته الجميلة تبتسم له أيضاً وهي ترسل التحيات الحارة المستورة بقفازين، وبجانبها طفلة صغيرة كانت تطفر من الفرح والابتهاج بلقاء صاحبي الضابط وبجانبها الآخر صبيان صغيران كانا يتناولان بشغف ونهم الطبل والبندقية وقد برزا من طرفي الصرر التي تسلمها أبوهما فلوريل
وحين هبط الضابط إلى إفريز المحطة أسرع إليه الأطفال فعانقوه في محبة وألفة وشوق؛ ثم اتخذت العائلة طريقها إلى المنزل، وفي أثناء الطريق أخذت الطفلة تسند بكفها اللينة الغضة مسند عكاز الضابط الكسيح وقد فاض وجهها بماء الابتهاج والطيبة والمحبة البريئة