مزهوا فخوراً فضمه إليه وقبل جبينه، واستقبلته أمه وأخته. . .
وجلست الأسرة الأربعة مجلسهم لأول مرة، مجلساً لم يجمعهم مثله منذ كانوا على صفاء ومودة، وقالت مسعدة:(همام!)
وكان في عينيها عتاب وفيهما رضاً واطمئنان
وقال همام:(مسعدة! معذرة إليك؛ إنك أنت وحدك. . . وكانت غلطة. . .!)
وابتسمت مسعدة وعاد الشباب يتألق في جبينها بشراً ومسرة، وانبعثت الأماني تحدثها حديثها، وحلقت بجناحين في وادي المنى، وقالت:(. . . ويكون لنا دار ونخيل، ومزرعة!)
وافترت شفتاه وقال:(ذلك أولى لك يا مسعدة وأنت له أهل؛ وهذا المال. . .)
ودق الباب وانقطع الحديث، ودخل الداخل ثم خرج، وخرج وراءه همام وزوجته وأبنته يشيعون حمدان وفي يديه الحديد مسوقاً إلى السجن!
لم يشتر همام داراً ولا نخيلاً، ولا مزرعة على الساحل؛ ولم يبق له من ماله باق، وأنفق ذخيرة العمر ليفتدي ولده من زلة ساعة فلم يُجد عليه!
وعاد همام كما بدا، أجيراً يكدح لنفسه وزوجته وأبنته عاملاً في مزرعة العمدة، قانعاً من العيش بالكفاف، راضياً من متاع الحياة بنعمة الحياة نفسها. . .
وخرج حمدان من السجن بعد عشر سنين لتستقبله أمه الأيم العجوز وحيدة فتصحبه إلى قبر أبيه يترحم عليه، أبوه الذي لم يره إلا مرةً ثم مضى كل منهما لوجهه، كما يلتقي اثنان اتفاقاً في طريق ثم يتدابران فلا لقاء!