ذكر مصر ولو عارض فتاة القلب وقطع عليها حديثها عندما قالت: وهناك بلاد غير بعيدة عن روما وأثينا. . . وعنها أخذ العالم أرفع الفنون. . . فيهتف: بل لا يزال يأخذ عنها!
وكم هزني منه هذه اللفتة الحية النابضة بالوطنية عندما قرن الصحراء والبحيرات الأفريقية والنيل المقدس ببحيرات سويسرا وإيطاليا ومساقط الماء في جبال إنسبرول. . .
ثم هو يهتاج لرؤيته الشباب الأوربي يتألق قوة وهو يسعى للقتال، وقد وقفت الفتيات ينثرن الابتسامات على جباه الشباب البسل. فيتمنى لو يقدر الله له أن يرى مثل هذا المنظر في مصر وطنه الحبيب.
ولعل أطرف ما قابلني من غيرته الوطنية دفاعه العجيب الفلسفي عن الفن المصري وخلوه من الفن العاري!! فيقول معللاً ذلك بأن الحياة في مصر سهلة، والسماء صافية، وكل شيء يفصح في غير إبهام. . . وأن هذا الصفاء والإفصاح بعثت في النفس الرغبة في التستر. . . وهكذا يخلق شاعرنا من موضع النقص في فننا موضعاً للتأمل الفلسفي. . . فتأمل!
أما قصيدة باريس الراقصة المعاني الرنانة الجرس. فحسب مطلعها روعة
سألوني عن بياني وقصيدي ... أسفا باريس قد مات نشيدي!
ولكن كيف يموت النشيد الذي يقول:
صرع النور به وانحسرت ... جبهة الشمس عن النور الشهيد
بل كيف يموت النشيد الذي يقول:
وابعثيها ثورة أخرى فما ... يعرف الأحرار معنى للجمود
وبعد هذا هو الروح الشاعر والفكر القادر والفن الباهر ففيض من أرواح شاردة.