والنزعة الشرقية، والثقافة الأوربية، ثم في كثير من الأحايين لطريقة أستاذنا الزيات فكيف كان ذلك؟!
أما خضوعه للشاعرية فأمر محتوم، وما كان له أن يتخلص من قيودها الحبيبة الباسمة، بل أنها لتظهر في كثير من اللفتات الرائعة في ألفاف ذكرياته. فهو مقيد بروح الشعر وخاصة عند الحديث عن الجمال والفن بل وكل ما يتصل بالجمال والفن؛ فإن خياله ليصف الحسناء فيقول في معنى شعري ساحر: كأنها طفلة إلهية هبطت لأول مرة عالم الأرض؛ ويطيب لروحه الشاعر أن يتبعها بسجع حلو رقيق فاتن. . . ولعل شاعرنا قد تأثر قليلاً بطريقة أستاذنا الزيات في الصناعة القوية العذبة.
وهو شاعر تنساب حياته انسياب خاطرة الدافق، وتجري جريان خياله المتألق في سهولة ووضاءة وسلام، ولكن الأقدار تأبى (إلا أن تضع في طريقه حادثاً غريباً وشاغلاً عجيباً)، وفي حديثه عن فتيات باريس (وفي عيونهن من أسرار الليل الذاهب ألق، وفي شعورهن من خمر المساء الغابر عبق)، وهو يحلو له أن يعبر عن حيرة وجدانه بسجعة رنانة تحمل من الشاعرية روح الحيوية، وتحمل من الفن حلاوة الجرس، فيخيل له أنه مطارد (يلاحقه خوف أو يتأثره حتف)
وحين يقول:(وبدأت إنشادها بصوت يتماوج مرحاً، ويتفجر شباباً، ويترسل صفاء وعذوبة وسحراً، وانفعلت هي بغنائها، فاستحالت طيفاً راقصاً نابضاً باهتزازات هذه الأنعام المنطلقة في سكون الليل تودع السلام والحب والرحمة في قلب العالم!)
تلك هي ناحية الشاعرية في نثر الكاتب جلّينا عنها في إيجاز؛ أما ناحية تأثره بالأدب الغربي فظاهرة في كثير من اللفتات، فهو يجمل للضوء أنابيب زئبقية! وللأضواء العاكسة دهاليز من أشعة الشمس تمرق من خلال الغمام الأبيض، بل أنه ليغرق في الروح الغربية، حين يجعل الهواء يرفع معطف فتاته الحريري الأبيض الهفاف إلى ما فوق ذراعيها، فكأنها ملك السحاب يضرب بجناحيه الناصعين في الزرقة الصافية متقدماً رعيلاً من الغمام الأبيض!
بقيت ناحية حبه للشرق والوطن، فهو يهتاج عندما يرى جثة الرسول مرقص فيقف خطيباً في صحبه ويقول:(هذا الرسول الذي ضن البنادقة على مصر بجثته) ثم هو لا يسأم من