للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن أطربني، وهاج خواطري، وحلق بي في جو من الخيال الباسم الوضيء قدرته على صوغ هذه المعاني السامية إذ يقول:

إنا نفكر في ماضٍ بلا أثرٍ ... ومُقبلٍ من حياة كلها غيب!

ومستحيل نُرّجي برقً ديمته ... وكل ما نرتجيه نه مختلب

وكم لنا ضحكاتُ غير صادقة ... ما لم يشب صفوها التبريح والوصب

وإن أشهى الأغاني في مسامعنا ... ما سال وهو حزين اللحن مكتئب!

وهنا وقفة يجب أن يقفها الثائرون على النغم الحزين في أغانينا؛ فهذا شلي الشاعر العالمي ينطق بلسان الفلسفة التي لا وطن لها. إن الحن الحزين هو أشهى ما تسع الإنسانية الحساسة الشفافة التي ترقب الزهر الوليد بنفس العين التي تودع الزهر الذابل أما قصيدة عودة الملاح فلعله ترجمها بدافع تجانس الميول، وتقارب الأحاسيس؛ فقد كان شاعرنا ملاحاً تائهاً! فهو كما يظهر يحب البحر، أو في طبيعته الزخارة بالوجدانات شيء من طبيعة البحر؛ وإلا فلم ترجم عودة الملاح؟ الجواب ينطق به مطلعها:

يا فرحتي للبحر أرجعُ ثانياً ... متفرِّداً بعبائه وسمائه

أقصى منايَ سفينة ممشوقة ... وبزوغ نجم أهتدي بضيائه

بعد أن بينت الدوافع إلى ترجمته لهؤلاء الشعراء ولتك القصائد أدع الكاتب نفسه يعبر عن سبب ترجمته لقصيدة (بيت الراعي) فيقول: (لأنها ذات موضوع طريف حافل، يتكلم فيه الشاعر بدقة ورقة وصراحة وعظمة عن القلب والروح والجسد وشقاء النفس الشاعرة بهذا العالم الجارح ومدنيته الجافية القاسية)

وهذا يصدق قولي في أن الشاعر اختار ما جانس أحاسيسه ولابس وجدانه.

ونتكلم عن ذكريات مرت بقلبه، وعطرت بأريجها ألفاف روحه، وتغلغلت في أحاسيسه، فخَّلدها. . .!

وإنك لتلمح في ليلته الأولى وحشة الغريب ولهفة المشتاق؛ وترى في ميدان إسدرا سحر الألحان وروح الفنان، وتحس في يوم فرساي نشوة الطرب وروعة الجمال، وتنسم من فتاة برن عبير الروح وعبق القلب. . . ثم ترى في قصيدة باريس دمعة الفنان وثورة الوجدان!

تلك هي ذكريات صاحب الجندول التي خضع فيها - كما سأبين - الروح الشاعرية،

<<  <  ج:
ص:  >  >>