ورفعت رأسها وقد علاها الرعب ناظرة إلى وجهه المتهجم وقالت:
ثم ماذا؟
ثم ماذا؟ لا أدري، فحتى لو أردت العودة إلى المنجم فسوف لا أجد عملا. لقد استغنوا عن جميع العمال البولونيين بسبب الكساد. وأخيراً هناك الفرقة الأجنبية.
وعربا معاً متشابكي اليدين ميدان المحطة الواسع المزدحم. كان بوجدان يسير متردداً ينقاد وراءها كطفل في هذه المدينة التي يكرهها والتي تحبها هي. باريس التي جعلت منها السنون وطناً لها. باريس التي تحتمل مرارتها وتفهم عظمتها. إن بوجدان هو الشباب والوطن والحب ولكن الأعوام علمتها شيئاً آخر وهو الواجب. فهي تستطيع أن تهجر رونيه ولكن ماذا تصنع بطفليها؟ إنهما فلذات كبدها.
ووصلا إلى الساحة الكبرى، إلى نفس المكان الذي قابلا فيه منذ عشر سنوات ذلك السيد العجوز اللطيف المعشر بالقرب من سلم المترو. كانت تيريز تندم في تلك اللحظة لأن كِلا الرجلين كان طيباً، فليتها كانت تكره أحدهما. ولم يكن أمامها لحظة واحدة لتضيعها. وخاطرت تيريز وكذبت على الرجل الذي تحبه وقالت:
بوجدان! اذهب وأحضر أمتعتنا. إني أنتظرك هنا، واستدار بوجدان بسرعة وابتعد بخطواته الواسعة الحاسمة التي كانت تحبها فيه وقت شبابها. كانت تتبعه بنظراتها وفي استطاعتها أن تناديه أو تلحق به. واختفى بوجدان. كان أمامها دقيقتان قبل أن يعود. واقتربت - وكأن قوة خفية تدفعها - من السلم الذي يقود إلى تحت الأرض حيث فقدت بوجدان منذ عشر سنوات ووضعت قدمها على أول درجات السلم واندفعت مع الجموع ممزقة القلب ولكن ثابتة الجنان، ممزقة الرابطة التي كانت لا تزال تربطها ببوجدان أثناء أحلامها.