اشترى لها أو منحها كل هذه الأشياء الجميلة؟ وأفسد هذا الخاطر سعادته العظمى برهة من الزمن ولكن السرور غمره ثانية. فقد عادت وعاد كل منهما للآخر من جديد. وليس في الوجود قوة تستطيع أن تفصل بينهما
وكما تحطم الأمواج المكبوتة زمانا طويلا ما يعترضها من سدود، كذلك انفجر بوجدان شارحاً همومه وآلامه، واصفا أمله وثقته اللذين لازماه طول عشر سنين.
وبلغ التأثر أقصاه بتيريز وانسابت دمعة على خدها ونظرت إليه فأدركت أنه كبر في العمر. لقد فقد شعره بهجته، ووجه ما كان عليه من إشراق في الزمن السالف، ثم يداه المجعدتان! ما أبغضهما إليها الآن بعد أن كانت فيما مضى ترتعش لمجرد لمساتها. وبرغم كل هذا فهاهي تجد تدريجياً على ذلك الوجه الخشن الذي أفلت منه الشباب (بوجدان) الأيام الماضية. تجد القسمات التي أحبتها والتي ستحبها دائماً.
ومرت الساعات دون أن يشعرا. كانا يضحكان ويتمازحان. وفجأة ارتجفت تيريز وألقت نظرة على ساعتها. لقد بلغت الساعة التاسعة وعاد رونيه إلى المنزل منذ وقت طويل ولا بد أنه قلق لتأخرها. وأحست تيريز بوخز ضميرها حين تذكرت أن (اتينيت) لا تنام إلا إذا طبعت على شفتيها قبلة الليل. ووقفت دفعة واحدة وقالت:
- الوقت متأخر. هلم بنا!
فأجاب بوجدان بهدوء:
- هيا بنا يا تيريز. تعالي نأخذ أمتعتي من مخزن المحطة فهنالك أيضاً كل حاجاتك.
ثم نظر إليها وقال بلهجة الانتصار:
- سنقضي هذه الليلة في باريس القذرة. ولكن غداً صباحاً سنعود في أول قطار إلى وطننا. سأشتري حقلا صغيراً ونعيش في هدوء.
ووقفا على باب المقهى ونظرت إلى يديه المنهكتين وكأنها تريد تقبيلهما وقالت:
- بوجدان إنك لا تزال كما كنت عنيداً ونحن لم نعد صغاراً. ماذا كان يحدث لو لم تكن وجدتني؟.
- ما أعجب هذا السؤال؟ لو لم أكن وجدتك؟ هذا محال. كنت أنفق كل نقودي أثناء بضعة أيام في هذه المدينة اللعينة.