التاريخ مرة ثانية؛ ذلك نصادفه كثيرا في كتاب الأستاذ؛ فهل نعتبر الكتاب قصيدة منثورة أو نعتبره قطعة من التاريخ؟ أما رأيي فهو أن الكتاب تاريخ شعري، وما أحوج التاريخ إلى أن يكون سائغاً جميلاً، ولاسيما إذا تنبهنا إلى أن الأستاذ لم يكتب لنا مؤلفاً نضعه في عداد المراجع التاريخية، أو سفراً له قيمة السجلات الرسمية، ولكنه صاغ حلقة من سلسلة المعارف العامة التي تعنى لجنة التأليف والترجمة والنشر بوضعها بين أيدي طلاب الثقافة. وآخر كلمة أقولها بعد أن قرأت (حياة نابليون) أن الأستاذ المؤلف قد عرض المؤرخين الذين ترجموا لهذا البطل صفاً صفاً، استملاهم جميعا فأفرغوا ما كان يملأ جعباتهم (من وحي الهوى وتصوير الإعجاب وإملاء المقت وصدى الحفيظة) ثم ناقشهم الحساب العسير حتى عرف البواعث التي أملت ما قالوا، وأخيراً قال كلمة العدالة التي عصبت عينيها، ورفعت الميزان في إحدى يديها، وأمسكت بالأخرى سلاحها، فكانت كلمته فصل الخطاب.