فقد أبى شيطان الشعر لهذا المواطن الأندلسي الشاب إلا أن ينشر في الناس سلسلة من القصائد الرقيقة يحي بها فتاة فقيرة من اللقطاء تخيلها الشاعر وريثة مال وفير تركه لها والدها الحقيقي وهو ماركيز إسباني من طبقة الأشراف. وبلغ من جمال هذه القصائد أنها رسخت في عقول الناس على أنها قصة حقيقية. وساعد على ذلك أن الشاعر استعمل أسماء لأشخاص حقيقيين فآمنت بها الفتاة وآمن بها أحد البنوك الإسبانية فوضع تحت تصرف الفتاة مبلغاً وفيراً من المال يساعدها على أن تهيئ نفسها لتلقي الإرث العظيم ريثما تفرغ الإجراءات الحكومية التي تصاحب عادة نظام الوراثة في إسبانيا.
وعاشت هذه الفتاة اللقيطة خمسة عشر يوماً عيشة المترفين من النبلاء وأصحاب الألقاب الرفيعة بعد أن أثبت صاحبنا الشاعر في قصائده نبل محتدها ونسبها الرفيع.
ثم تبين للبنك أن نسب الفتاة وإرثها المنتظر لا وجود له إلا في مخيلة الشاعر. فقاضى البنك الشاعر أمام المحاكم المدنية بدعوى الاحتيال والتزوير، وقال المدعي العام إن خيال الشاعر يجب أن يتطرف بحيث يستغل ظروفا تعسة لفتاة فقيرة ويشهر بها على أنها لقيطة، ثم يدخل السعادة المزيفة إلى قلبها في دعابة شعرية (شيطانية) متقنة بحيث أقنعت أشد القلوب قساوة: قلوب الصيارفة وأصحاب البنوك - فأضاعت عليهم مبلغاً من المال قدموه للفتاة (الوارثة) فأنفقته في ثورة ترف وبذخ طارئ
وطلبت المحكمة قبل إصدار القرار من الفتاة أن تدلي بشهادتها فقالت: أجل لقد كذب هذا الشاعر، ولكن أليس من الممكن أن تكون قصته عن أصلي وفصلي وإرثي حقيقية؟ وبعد فلم يصيبني من دعابته الشعرية أذى فإني شاكرة له أن أتاح لي تذوق حياة الأشراف المترفين خمسة عشر يوماً هي أيام لم يقو خيالي على أن يتصورها قبل أن آل إلى هذا الإرث الشعري الجميل
ويبدو أن القضاة في هذه المدينة الأندلسية لم يكونوا على قسط كاف من الإحساس الشعري، يدركون به قوة شيطان الشعر، فحكموا على الشاعر بالسجن بضعة أشهر وبالغرامة المالية أيضاً.