عل على المدائن والقرى، والرداء الأخضر الذي يتشح به النيل، وذاق النعيم، وصار كالفراش يتنقل على موائد العمد والأعيان، وأخذ يواصل العمل ليلا ونهاراً. حتى إذا انتهت أيام الانتخابات - وليتها لم تنته - عاد إلى القاهرة ليتخذ دار الحزب مثابة وأمناً.
هل دامت الحياة السعيدة لزعيم الطلبة؟ إن الدهر حول قلب، وخلائق الدنيا خلائق مومس - كما يقول الشريف الرضي - فقد انقطع عنه ما كان يتقاضاه، وران على الحزب سكون رهيب، ولم يهش لاستقبال أبطاله، وفكر قليلاً في ركود الحزب، ولكنه نوى الرحيل.
أتضيق القاهرة على زعيم الطلبة؟ غداً يذهب إلى المدارس والكليات عله يجد ما يتمنى، ونفذ ما أرتاه. فلم يجد سميعاً ولا مطيعاً، وحمد الله أن نجا بجلده من مخالب البوليس. وما له لا يكون صحفياً، وقد كتب مقالاً في الأهرام بإمضاء مستعار، فيذهب إلىدور الصحف، ومن قبله أناس حرروها وما بأيديهم شهادات عالية، وطاف يبغي عملا فسدت في وجهه السبل، فلجأ إلى حياة التشرد فأخذ يبيت عند هذا ليلة، وعند ذاك ليلة، حتى اجتواه من كان له محباً، ومله من كان به معجباً، ونبا به المقام، واعترته الهموم والأسقام، ووسط أناساً ليصلوا بينه وبين والده فلم يوفق، وطفق يتوسل إلى أحد النواب ليجد له وظيفة، والنائب المحترم يراوغه أو يتهرب منه، حتى عد نفسه شقياً لا مكان له في هذه الدنيا الواسعة.
وذات يوم سأل عنه ذلك النائب ليزف إليه البشرى بالوظيفة المبتغاة، فأخبر بمرضه فطوى البشرى، وتركه لدائه وبلواه. لقد أصيب بالسل ونزل المستشفى للعلاج، وهيهات هيهات أن ينجو منه، ومن أين له بجسم يقاوم ذلك الداء. . . وأخيراً عجز الطب والأطباء.
وذات يوم حضر والده ليرى ابنه محمولاً على الأعناق، ولكن في هذه المرة إلى بطن الأرض، فقد آن له أن يستريح من ظهرها.
السيد حسن قرون
السجن ودعابة الشاعر
(أنا لست محتالاً. أنا شاعر أحب أن أداعب المجتمع. وهل دعابة الشاعر جرم؟)
هكذا وقف (فاومستينو فالانتين) أمام المحكمة في إحدى مدن الأندلس منذ أيام يناشد القضاة بأن يغفروا له دعابة شعرية من نوع غريب.