للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دعامة الإتقان للقيم الأدبية ترتكز على صدق في التعبير وصدق في التصوير، وعلى قدر حظ الأديب منهما يكون حظ آثاره الأدبية من الخلود، والمتأمل في كل ما أنتجه الدكتور الفاضل محمد مندور يلمح في ثناياه روح الصدق في الإحساس والتعبير. فقد كان الدكتور صادقاً حتى في كتابه المترجم، فأكبر اليقين لا أكبر الظن أن الدافع لترجمته كان ما يشعر به في أعماقه من تجاول بين هذه الأفكار المترجمة وبين ما تزخر به وجداناته. وتلك ميزة ملموسة شاهدناها في ترجمته لكتاب (دفاع عن الأدب) ولقد كان دكتورنا المفضال صادقا أيضاً في كتابه (في الميزان الجديد) بل أن كتاباته عن الأدب والشعر المهموس إذا فهمت على حقيقتها نهضت دليلاً قاطعاً على صدق التجاوب بين أحاسيس الدكتور وتعبيره. إن رجلا يحس الهمس ينبض في ألفاف الكلمات ويبلغ من رهافه الحسي أن يقيم (لفتات الحياة) وزناً كبيراً. . إن رجلا هذا شأنه لرجل صادق في كل شيء. وإني لأنتهزها فرصة لأقول إن الذي افهمه من الهمس في الشعر هو صدق التعبير الذي يلمس الفتات ويعنى بالخطير من الأمور، ومن ثم يكون كل صادق هامساً. ومن ثم تكون كل كتابة صادرة عن شعور عميق، وتأثر بالغ همساً أيضاً، وهل كانت دموع أستاذنا الزيات حين بكى ولده إلا الهمس النبيل، وهل كان رثاء الأستاذ العقاد لبيجو غير الهمس، وكم في كتاب الأيام من همس حبيب. إن وفاء الكاتب أو الشاعر لموضوعه وإيمانه وصدقه في تصويره، لا يخرج إلا الهمس. وما كان دفاع صديقنا الدكتور الجليل عن الأدب المهموس إلا الهمس في أبلغ معانيه. وبعد فإن المكتبة العربية لتعتز بهذه الكتب الثلاثة: نماذج بشرية، ومن الحكيم القديم إلى المواطن الحديث. وفي الميزان الجديد

(الإسكندرية)

حسين محمود البشبيشي

<<  <  ج:
ص:  >  >>