أولادهم بجهلهم، ويحطمون مستقبلهم بمثل هذا الحنان الضار، والحب المرذول، والأنانية الممقوتة. فقالت له أمه وقد حز في نفسها حديث ولدها المؤلم وثورته الصاخبة: هل هذا جزاء حبنا لك واحتفاظنا بك؟ فأجاب شارلوت وهو يكاد يبكي من شدة الحنق والغيظ وقد اعتمد ذقنه براحة يده: كم أتمنى الآن لو لم اكن قد ولدت حتى لا أظل في هذه الحالة المؤلمة التي أنا عليها الآن. وبعد لحظة سكوت قصيرة تابع حديثه إليهما فقال بلهجة أشد وأعنف من الأولى: إنني عندما رأيت جان فالنس في صباح هذا اليوم وهو ينزل من مركبته الأنيقة الفاخرة جرت دماء الحقد والغضب حارة في عروقي وقلت مخاطبا نفسي: (لو قبلت عائلتي ما عرضته عليها مدام دوبرييه وزوجها من قبل، لكنت الآن في مركزه وظل هو في مركزي). قال ذلك ثم نهض من مقعده فجأة وقال لهما وشرر الغضب يتطاير من عينيه الدامعتين، والحنق الكامن في أعماق نفسه الثائرة يلوح على أسارير وجهه الحزين المكتئب: إنني لن اغتفر لكما هذه الغلطة ما حييت، وقد استقر رأيي الآن على مغادرة هذه القرية إلى الأبد، والنزوح إلى قرية بعيدة نائية لا يعرفني فيها أحد ولا أعرف بها أحداً، لأكسب فيها عيشي بعيداً عنكما وعن أهل هذه القرية جميعاً. قال ذلك ثم فتح باب الكوخ بسرعة وهرع إلى الخارج بعد أن صفق الباب وراءه بشدة وعنف حتى لا يتمكن والداه من اللحاق به وإثنائه عن عزمه، ثم سار في الطريق مسرعاً على غير هدى واختفى في ظلام الليل الحالك السواد.