قدميه: هل أنت حقاً ولدنا جان؟؟ فضمها الشاب إلى صدره بحنان ورفق وقال لها وهو يضحك ملء شدقيه: نعم إنني ولدكما جان! وقد جئت اليوم لزيارتكما بعد أن أصبحت أحد المحامين الذين يشار إليهم بالبنان وسأمكث في ضيافتكما بضعة أيام. فقال له الأب بصوت يرتجف من فرط الانفعال وشدة الفرح والسرور: على الرحب والسعة يا بني العزيز. وبعد أن استرد أنفاسه اللاهثة استطرد في حديثه فقال: كم أنا سعيد بلقائك يا والدي، ولا سيما بعد أن أصبحت رجلا كامل الرجولة. . . ولما أفاق الأب والأم من دهشتهما صمما على أن يقدما ولدهما جان إلى أهل القرية جميعاً. فعرفاه أولاً بعمدتهما وقسيسها وناظر مدرستها. ثم عرفاه أخيراً بباقي أفراد أهل القرية الذين استقبلوه بحفاوة بالغة وسرور عظيم. وشاهد توفاسن كل هذا بعين دامعة تفيض بالألم والهم والعذاب، ونفس حزينة تملاها الحسرة والندم على ما فات! وقد تغيرت نظرته إلى الحياة بعد ما رأى جان فالنس في ملبسه الأنيق وثيابه الغالية وشبابه الحيوي الفياض، بينما هو لا يزال في فقره المدقع وأسماله الرثة البالية،
وفي المساء حينما اجتمع شارلوت بوالديه حول المائدة، قال لهما بصوت باك حزين تخنقه العبرات: أظنكما رأيتما جان فالنس في هذا الصباح وشاهدتما ما هو عليه الآن من وسامة الشكل وفخامة الثياب؟ فأجابته أمه باكتئاب دون أن يفوتها تغير ابنها الفجائي غير المنتظر: نعم يا بني! لقد شاهدنا كل ذلك! ولكننا لم نشأ أن نبيعك إلى مدام دوبرييه وزوجها كما فعلت مدام فالنس وزوجها بابنهما جان! لأننا رأينا أن في ذلك عاراً عليك وإثماً في حقك كما هو عار علينا وإثم في حقنا أيضاً. . . ولم يفه والده أثناء ذلك بكلمة واحدة، بينما استمر الابن في حديثه الساخط المؤلم فقال:
- إنها لغباوة منكما حقاً أن تدعا جان فالنس يذهب مع مدام دوبرييه وزوجها بدلا مني! وإنه لمن سوء حظي أيضاً أنكما لم تضحيا بي بسبب حنانكما وغروركما وأنانيتكما. . . وهنا تدخل الأب في الحديث فقال موجهاً كلامه لأبنه: هل تلومنا الآن يا ولدي لأننا لم نشأ أن نفرط فيك كما فرطت مدام فالنس وزوجها في ولدهما جان؟ ولكن شارلوت لم يأبه لدفاع والديه بل هز كتفيه ساخراً واستمر في ثورته فقال: نعم إنني ألومكما لأنكما فوتما علي هذه الفرصة التي قلّ أن يجود الدهر بمثلها. وإن الآباء والأمهات أمثالكما كثيراً ما يجنون على