(هنا يرقد جاك أوليفانت الذي توفى عن ٥١ عاما وكان محب لأسرته لطيفا شريفا، ومات في محبة الله.)
وقراء الهيكل أيضا ما كان مكتوب على قبره ثم انحني والتقط حجرا صغيرا مدببا وراح يمسح ما كتب عنه بكل عناية حتى طمسها جميعا، وأخذ ينظر إلى ما فعل من محجريه الأجوفين. . وبخط أشبه بما يكتبه الأطفال على الجدران بالطباشير راح يكتب بعظمة إصبعه هذه الكلمات (هنا يرقد جاك أوليفانت الذي مات عن ٥١ عاما، ولقد عجل بوفاة والده بسبب معاملته الفظة وطمعه في الحصول على الإرث. . وكان يعذب زوجته وأولاده ويخدع جيرانه ويسرق، وفي النهاية مات تعيسا شقيا)
وبعد أن فرغ الهيكل من كتابته أنتصب بعظامه يحدق فيما خطت يده، وعندما تحولت بنظري عنه شاهدت أن جميع القبور قد فتحت وانسلت منها هياكل ساكنيها وراح كل منهم يمسح ما كتب الأقارب والخلان على صليبه ويكتب مكانها بنفسه ما يعرف عن حقيقة نفسه. ولشد ما كانت دهشتي حين تبين لي أنهم كانوا جميعا كذابين منافقين، حاسدين أفاقين، معذبين لأزواجهم وخادعين لجيرانهم، سارقين، ارتكبوا كل منكر وشائن. . . كانوا جميعا الآباء الطيبون منهم والزوجات الوفيات والأبناء البررة والبنات العفيفات والتجار الأمناء، يكتبون على عتبات مثواهم لأبدي حقيقة أنفسهم المروعة تلك الحقيقة التي لم يكن أحد غيرهم يعرفها أو كان يعرفها ويتجاهلها عندما كانوا أحياء يرزقون.
وخطر لي عند إذن ربما تكون هي الأخرى قد كتبت حقيقة نفسها فرحت أعدو بين القبور المنشورة وسط الهياكل والأجداث إلى حيث يوجد رمسها. ولم أجد صعوبة في الاهتداء إليها هذه المرة، وعرفتها في الحال رغم اختفاء وجهها تحت ملاءة بيضاء. . وعلى الصليب الرخامي حيث قرأت منذ حين (وأحبت ثم ماتت) طالعتني هذه الكلمات - (خرجت ذات يوم غزير المطر لتخون حبيبها فأصيبت بنزلة برد وماتت. .) ويبدو أنهم عثروا علي فجر اليوم التالي ملقى على القبر مغشيا علي. .