بالقياس إلى أفكار سواك إذ لابد من تصحيح التجارب الشخصية وتوطيدها بالقراءة، ثم لتضيف إلى ما تعلم ما لا تعلم فتزداد ثروة على ثروة ثم لتستوضح على ضوء القراءة ما يقوم بذهنك من المعاني العائمة القلقة الدائرة في شبه الظل ثم لتمرن فكرك وتروضه على التأمل المستمر حتى لا يعلوه الصدأ وتذهب عنه مرونته ومتانته وحتى لا يصيبه الخمود والجمود والركود لأن القراءة ضرب من التفكير إذ فيها محاولة لمتابعة الكاتب في سير تفكيره وإلا استدق عليك واستغلق ثم لترهف ذوقك لأن الذوق الرفيع لا يكتسب إلا بطول القراءة واستدامة الموازنة بين الجيد والرديء والغث والثمين ثم لننبه ما غفا من عقلك وخمد من قبلك فكل هذه تكتسب من كتاب (البدائع) فعليك به تجد فيه المسلاة والمأساة والنور.
منذ انتشار الصحافة واتساع دائرتها ازدهر أول ما ازدهر عندنا من ألوان الأدب ما يسمونه بأدب المقال حيث يسع هذا النوع بوجه عام جميع فنون القول والأغراض والبحوث في فصول ورسائل تطول أو تقصر بحسب ما يقتضي المقام، فيصاغ في هذا القالب من الأدب فصول في النقد ونبذ في التاريخ وأبحاث في الأخلاق والاجتماع وتصب فيه النظرات والخطرات والمشاهدات حتى الأقاصيص الموجزة الصغيرة وقد كان هذا النوع من الكتابة عاملا مهما في ترقية النثر إلى حد كبير وقد ساهم صاحب كتاب (البدائع) بفصوله في إعلاء شأن أدب المقال كما ساهم في هذا المجهود الجليل غيره من الأدباء الأجلاء أمثال الأساتذة الجهابذة أحمد أمين ومصطفى صادق الرافعي والزيات والمازني وعبد الوهاب عزام سواهم من أئمة الأدب وأساطينه.
إلا أننا نؤاخذ صاحب (البدائع) ونعتب عليه وننكر كل الإنكار ما أدرجه في الكتاب عن طيش ونزق من بعض فصول في الخصومة بينه وبين أحد أعلام الأدب والبيان وكان لزاماً عليه أن يتناساها لا أن يحييها بوضعها في الكتاب فان هذه الفصول الشائنة بين سائرها لهي كالنقط السوداء في الصفحة البيضاء يعافها الذوق واللياقة والكياسة.