به يا سيدي. ثم مد يده مصافحا، فاستوقفه فريد وأسر إليه: هل أنت في حاجة إلى نقود أخرى؟ فقال بيرام بصوت مسموع. - لا يا سيدي لا يلزمني شيء! ماذا أفعل بها؟ ثم خرج. ولما عاد فريد إلى مجلسه نظر إلى محمود يستطلع رأيه في إجابات القروي وكل حديثه، وسأله عن الأثر الذي تركته مقابلته له. فقال محمود: ألا تعتقد معي أننا لو أدمنا التفكير في هذه المسألة لذهبت عقولنا من فرط السرور؟ وأي إنسان يعتوره أدني شك في كلام هذا الرجل الساذج؟
وبينما هما منهمكان في حديثهما هذا وإذا باب الحجرة يفتح ويدخل السيد عفت والد فريد ويحييهما تحية المساء. ثم صافح صديق ابنه والتفت إلى فريد وقال: لقد انتظرتك في المتجر فلم لم تجيء؟ فقال فريد في سرور:
- شغلني عن المجيء أمر مهم سيدر علينا مالاً كبيراً، فرفع الرجل عينيه وتأمل ابنه مليا في دهشة واستغراب كأنه يستوضحه فقال له فريد: سأقص عليك حكاية غريبة. فأخذ الرجل يجيل طرفه في وجهي الشابين اللذين كانت تلمع عيناهما سرورا؛ فلم يشأ فريد أن يطيل حيرته فأخبره بمجيء القروي في الصباح وما كان منه وانه كان معهما منذ قليل، وقد فارقهما على أن يعود حاملا عينة مما وجد. . .
تعجب السيد عفت مما سمع، ولم يصدق بادئ ذي بدء لكنه أذعن أخيراً عندما أكد له محمود الخبر وأنه ناقش بيرام كثيراً، ووجه إليه أسئلة عديدة وأن بيرام كان يجيب دون تردد ولا تلعثم، ثم هو فوق ذلك أكبر من أن تحوم حوله الشبهات، فهو سليم القلب، طيب النفس، نقي الضمير. . . ومع إذعان السيد عفت لم يبد عليه أن هذا الخبر سره كثيرا كما فعل الشابان فقد جلسوا معا وقتا غير قصير تدور أحاديثهم حول الموضوع، فلما لمس الشابان أنه لا يشاركهما الفرح استأذناه في الخروج.