والعبارات المخجلة، وهي أمامهم مطروحة ترسف في أغلالها، قدمت بعد ذلك إلى المحاكمة بتهمة السحر والشعوذة والكفر، واستولت المحكمة على مقاعدها - وكانت مؤلفة من ستين عضواً ونيفاً، كلهم من فطاحل العلماء - فاخذ هؤلاء الدهاة يقدحون أذهانهم في نصب الشباك لتلك الفتاة الطاهرة، وهي تصمد لهم، وتفحمهم، ولكن عبثاً حاولت، فلا بد من اتهامها. وبعد مؤامرات وتدبير حكم عليها بالإعدام حرقاً لأنها ضالة كافرة!! صعدت جان منصة الإعدام بخطى ثابتة، وشد الجلاد وثاقها ثم أشعل النار في الوقود المعد حولها، واخذ الدخان يتصاعد، ولما لفحتها السنة السعير صرخت من أعماقها قائلة:(لست ضالة ولا كافرة! وان ما تلقيته من الوحي كان من عند الله) ولما بدأت النار ترعى جسدها أخذت تصيح: (عيسى! عيسى! مريم! مريم!) وصارت تردد هذه الألفاظ حتى تدلى رأسها وفاض روحها. هذه قصة جان دارك مبتورة مدهوشه، وقد وفق الأستاذ غانم محمد في إبرازها وتصويرها توفيقاً بلغ حد الكمال. فليس هذا الكتاب واحد من الكتب، يتلى ثم يطوى وكأنه لم يكن، كلا! إنما هو فيض من الشعور القوي النبيل سيغمرك ويحتويك حين قراءته، وسيطبعك بطابع هيهات أن يزول أثره ما بقيت على الدهر إنساناً. اشهد أنني قضيت في هذا الكتاب ساعات كانت من أمتع ما جادت به الأيام، فاقل ما نتوجه به إلى الأستاذ المؤلف هو تهنئة تنبعث من الصميم.