يوم وتلح عليها في النهوض بأعبائها، وهي أن ترفع حصار الإنجليز وتتوج ولي العهد ملكاً على فرنسا. فتشكك الملك في أمرها بادئ الأمر، وأرسلها إلى جماعة من العلماء، أخذت تناقشها وتحاورها ثلاثة أسابيع كاملة. ثم أصدرت الحكم الآتي (لقد تحققنا وبهذا نعلن، أن جان دارك المعروفة باسم العذراء مؤمنة صادقة الإيمان وكاثوليكية سليمة العقيدة، ولا شيء في شخصها أو لفظها يخالف الدين، وواجب الملك أن يتقبل ما تعرضه عليه من المساعدة، لأنه إذا رفض معونتها حرم نفسه معونة الله). فلم يسع الملك بعدئذ إلا أن يعين جان دارك قائداً عاماً للجيش الفرنسي!! جمعت جان فلول الجيش الهزيم، ونفخت فيه روحاً جديداً يشتعل جرأة وحماسة، وأخذت - وهي الفتاة الصغيرة الساذجة - تقود الجند من نصر إلى نصر، حتى أجلت الإنجليز، وردتهم أذلاء بعد عزة، ومهدت الطريق لتتويج ولي العهد شارل السابع ملكاً على فرنسا. وقد بذلت في هذه السبيل مجهود الجبابرة، وتعرضت لأخطر المواقف، حتى إنها في أثناء الهجوم على حصن (لي توريل) جرحت جرحاً بليغاً بين كفها ورقبتها، وسال منها دم غزير فوقعت على الأرض تبكي بكاءً مراً، وانتهز الإنجليز فرصة إصابتها وتجمعوا حولها قاصدين تمزيقها إرباً إربا، ولكن الفرنسيين قاوموهم وصمدوا لهم، ويقول مارك توين:(دار القتال حولها على أيهم يستولي عليها - وفي الواقع على فرنسا - لان جان في أثناء تلك الدقائق القليلة، كانت هي فرنسا للطرفين، فمن استولى عليها فقد استولى على فرنسا إلى الأبد، وكانت تلك الدقائق العشر هي أهم الدقائق التي دقتها الساعة في تاريخ فرنسا كله في الماضي وفي المستقبل. . .) أنجزت جان دارك رسالتها التي أمرتها بها أصواتها المقدسة، وهي تتويج الملك، وكان لها أن تعود إلى قريتها، ولكن نفسها الكبيرة لم تهدأ، وأصرت على أن تجاهد حتى تظهر أرض الوطن من كل إنجليزي! وبينما هي في جهادها على رأس شرذمة من أنصارها، تمكن منها أحد الأعداء. وكان فرنسياً موالياً للإنجليز، فجذبها من فوق جوادها وألقي بها على الأرض، وبذلك وقع ذلك الملاك الطاهر في الأسر، فسيقت جان إلى السجن، وما هي إلا أن اشتراها الإنجليز من أسرها بالمال، اشتروها بعشرة آلاف من الجنيهات، لينتقموا منها شر انتقام. وبعد أن قضت في سجنها مدة تجلجل في أصفاده، حيث شدت بسلسلة غليظة من الحديد إلى كتلة خشبية، يحرسها خمسة من الجند الأشداء، لا ينون عن توجيه الألفاظ القاسية