المجنونة مغلقاً، وكانت خادمتها قد توفيت في الشتاء الماضي! ولم يهتم بالحادث أحد سواي إذ كنت أفكر في مصير تلك المرأة أناء الليل وأطراف النهار، ترى ماذا صنع بها أولئك الجنود وهل هربت إلى الغابة، أو عثر عليها أحد من الناس وأخذها إلى المستشفى رغماً عنها، ولم أجد ما يزيل شكوكي ولكن المصادفات والمقادير تدخلت في الأمر فأزالت هذه الشكوك، إذ بينما كنت غي الغابة وكان الفصل خريفاً اصطاد بعض الطيور الجارحة، وقع أحدها جريحاً في حفرة مليئة بالأغصان ولما نزلت إلى الحفرة لالتقاطه رأيت حطام جثة آدمي في الحفرة، يا إلهي. . . ترى من يكون صاحبها، وحينئذ تذكرت حالاً تلك المرأة المجنونة، قد يكون كثير من الناس ماتوا في الغابة أثناء النكبات التي حلت بهم في تلك السنة، ولكنني لا أدري لماذا كنت متأكداً، بل متأكداً جداً بأنني أرى رأس تلك المجنونة وأن هذه الجثة جثتها!
وعرفت بعدئذ أن الجنود قد تركوها في هذه الغابة وأنها نظراً لتمسكها بمبادئها التي أخلصت لها لم تعبأ بموتها في تلك الغابة الموحشة، لقد مزقتها الذئاب وبنت الطيور أعشاشها من بقايا فراشها الصوفي الممزق!
ولما رأيت هذه المناظر البشعة المحزنة كدت أبكي من شدة تأثري ودعوت الله مخلصاً أن يبعد شبح الحرب عن أولادنا، فلا يرونه أبداً.