سكان البلدة فنزل في بيتي سبعة عشر رجلاً، وكان من نصيب جارتي أثنى عشر، وكان القائد من بينهم. وفي اليوم التالي وصلت الأنباء إلى الجنودالذين كانوا يقيمون في بيت المرأة المجنونة بأنها مريضة، إلا أنهم لم يقيموا وزناً لمرضها ولم يأبهوا له، ولما سألوا عن سبب مرضها علموا أنها طريحة الفراش منذ خمسة عشر عاماً وذلك لتوالي النكبات التي نزلت بها والأحزان التي تغلبت عليها فأورثتها الأمراض، إلا أنهم ولا ريب لم يقيموا لذلك وزناً، واعتقدوا أن تلك المرأة متكبرة وأنها ملازمة فراشها لكي لا يقع بصرها عليهم، أليسوا أعداء بلادها، ذلك ما فكروا فيه.
أصر القائد على رؤيتها ولما وصل إلى غرفتها قال لها غاضباً: يجب أن تنهضي من فراشك وتنزلي إلينا (فلم تجبه، فواصل القائد حديثه قائلاً: أنني لا أحتمل هذه الغطرسة والكبرياء، فإن لم تنهضي من فراشك فسأضطر إلى إنزالك بالقوة) ولكنها لم تجبه ولاذت بالصمت. وحينئذ رجع الضابط إلى غرفته وقد أشتد غضبه وأتخذ من صمتها أداة لاستعمال الشدة معها.
وفي صبيحة اليوم التالي، أرادت الخادم تغيير ملابس المجنونة، إلا أن المجنونة بدأت تصرخ صراخاً عالياً وقاومت ذلك ما استطاعت، وما أن سمع القائد ذلك الصراخ حتى ذهب إليها، ولما رأته الخادم رمت نفسها على قدميه باكية وقالت له: أنها لا تستطيع النزول يا سيدي، لا تستطيع، أرجو أن تسامحها فهي مسكينة).
ولما رأى القائد ذلك، ضحك ضحكة خبيثة وألقى بعض الأوامر إلى جنوده، فأقبلوا وهم يحملون بين أيديهم فراشاً اتجهوا به نحو تلك المرأة المجنونة. أقترب أحد الجنود من فراشها وقال لها متهكماً وهو يفرك يديه: سنرى الآن هل تخلعين ملابسك وتستبدلينها بثياب نظيفة وتسيرين في نزهة قصيرة أم لا! ثم سار الجنود في غابة (أموفيل) وبعد ساعتين رجعوا وحدهم. لم يدري أحد ماذا حصل للمجنونة ولم يعثر لها على أثر، ترى ماذا صنع بها أولئك الجنود وأين أخذوها، لم يعلم بذلك أحد.
بدأ الثلج يتساقط، وغطى السهول والغابات فجاءت الذئاب وهي تعوي واقتربت من بيوتنا، مكثت مدة أفكر في تلك المجنونة الضائعة! وحاولت مراراً الاستعلام من السلطات البروسية عن مصيرها دون جدوى. ولما عاد الربيع أنسحب جيوش الاحتلال وبقي بيت