وباتت القرية ترعد من الألم وتعصف بها قوة عاتية، غاضبة، حائرة!
وفي الصباح عند ما قدمت عليهم عرتهم رعدة قوية - على رغم أنهم كانوا ينتظرون هذا القدوم بصبر نافد - وتصبب العرق البارد على أجسامهم في غزارة، وتسارعت دقات قلوبهم وهم يخفون رؤوسهم بين الشجيرات ويراقبونها من وراء الأوراق بأنفاس مكتومة ونظرات مرتبكة. وأخذت تنطلق بين الفينة والفينة أصوات كالفحيح بعبارات ساخطة مبهمة في يأس كالبكاء
ولما حيتهم والدهشة تعقد لسانها أجابها البعض بأصوات مختنقة وهم يغالون في الاختفاء، وصمت أكثرهم شجاعة إمعاناً في الازدراء والاحتقار!
وبعد أن توارت وسط هذه العاصفة الصامتة وقف الشاب الذي قهر الثور وهو يكاد يسقط وقد تهدلت تقاطيعه وعادت إليه في الاثنتى عشرة ساعة الماضية هيئته الذليلة وسيماه الممزق، وصاح منهوكا والدموع تملأ عينيه، والعرق يغطي وجهه المغبر. . . إنه خطيبها. . . أقسم أن زينب الخادمة قالت لي ذلك. . . إنه حلال! حلال! وهي ستتزوجه. إنه زوجها. أقسم بالطلاق أنه زوجها!
وعصر قلبه ألم كبير لم يقدر على مقاومته. ولكن ما قاله برغم تناقضه وجد مرتعاً في النفوس الظامئة المصابة؛ فقد تحدث في الوقت المناسب أثناء تعادل القوى النفسية المتدافعة. وكاد القوم يثوبون ويعدون خلفها يعفرون تحت أقدامها بالتراب وجوههم؛ بل فكر البعض في جعل التقبيل قبل الغروب سنة يجب أن تسنها شبيبة القرية، ولكن زميلاً وقف يهدر وانفجر بصوت قوي كله حقد والشر يتطاير من حوله. . . ليكن خطيبها، زوجها. . . أبوها. . . إنها كانت تأكله! إن عينيها حرقتاني وأنا وراء السياج! لقد كانت تخدعنا هذه الـ. . . وهم أن ينعتها بأحط النعوت، ولكن الكلمات ماتت على شفتيه، وعاد إلى عمله وهو يكاد يضرب نفسه!