وكان الحقل يظل عابساً أو كالعابس حتى تمر به كنسمة الحياة في وادي الموت فينقلب عبوسه إلى طرب ووجومه إلى ابتسام وخموله إلى جذوة من النشاط والحركة والمرح
وفي صباح خريفي رأوها كالعادة قادمة في الطريق الضيقة الملتوية التي تصل الحقل بالقرية. تسير كالجدول الرقراق بجوادها الأبيض، يتبعها على جواد آخر شاب نظيف ممتلئ يطفح صحة وبشراً
حدثهم بالروح الطيبة التي اعتادوها فاطمأنوا إليه وازداد تعلقهم وتقديرهم واحترامهم لها عند ما ساعدها في أدب جم (وهو لا يقل نظافة عن وكيل النيابة) على الترجل. وقابلوهما والإشراق والابتسام يملأ وجوههم. ووقفوا في خشوع يعبرون بوجوه صامتة تختلج عن مقدار ما يملأ قلوبهم من الإخلاص والحب؛ وظلت هذه الزيارة تملأ كنسيم العصر حديثهم طول اليوم
وفي المساء عند ما لفظ الحقل بقاياهم دفع الإعجاب الشديد قرويا في سن الحلم إلى أن يلقي نظرة على الفتاة من وراء سياج حديقة المنزل وكان في طريقه
ولم يكد يفعل حتى سمر في مكانه واتسعت حدقتاه وشحب، وأخذ يرتعد كالمحموم ويدعو زملاءه في إشارات مجنونة وينصحهم بالصمت والحذر بوضع سبابته الحائرة على فمه المرتعش؛ وكل من كان يأخذ مكاناً إلى جواره كانت تعتريه نفس الحالة. ولم تمض مدة حتى تكونت جمهرة ترتعد وراء السياج
كانت المعبودة السمراء تتمرغ بين ذراعي الشاب الذي رأوه معها في الصباح يغمر وجهها وتغمر وجهه بقبلات حارة فائرة، ويلتصق بها وتزداد به التصاقاً حتى تكاد تفنى فيه، وبقايا الغروب تلقى عليهما لوناً حيوانياً ساخناً يضيء وجه الفتاة الملتهب ووجنتيها المتقدتين، ويشعل الرغبة العنيفة المنبعثة من عينيها الغارقتين في الأحلام، ويسدل ستاراً كثيفاً على الوداعة الملائكية التي اعتادوها
ولما همت تسير مع الشاب متحاملة بكل جسدها على ذراعه عرت القوم جنة وذهبوا إلى القرية عدواً
وانطلق الخيال الخصب من عقاله، وملأت الإشاعات بشكل مضاعف مجالس السمر، على المصاطب، وفي موارد المياه والمخابز. وملأ الحنق والغضب قلوب القرويين