مؤلفها، قد يختل اطراده أحياناً ويخفي وجه التتابع فيه، ويعرض له الاستطراد ويلحقه التكرار والغموض، ولكنه على ذلك كله بداية قوية للتأليف العلمي المنظم في فن يجمع الشافعي لأول مرة عناصره الأولى.
وإذا كنا نلمح في الرسالة نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام من ناحية العناية بضبط الفروع والجزيئات بقواعد كلية. . . فأنا نلمح للتفكير الفلسفي في الرسالة مظاهر أخرى.
منها هذا الاتجاه المنطقي إلى وضع حدود والتعاريف أولاً، ثم الأخذ في التقسيم مع التمثيل والاستشهاد لكل قسم.
ومنها أسلوبه في الحوار الجدلي المشبع بصور المنطق ومعانيه وحتى لتكاد تحسبه لما فيه من دقة البحث حواراً فلسفياً على رغم اعتماده على النقل أولاً.
ومنها الإيماء إلى مباحث من علم الأصول تكاد تهجم على الإلهيات، أو علم الكلام، كالبحث في العلم. . .)
هذه هي جملة ما ذكره المؤلف خاصاً بمظاهر التفكير الفلسفي عند الشافعي صاحب الرسالة. ولم يستطع أن يجزم بأنها فلسفة بمعنى الكلمة؛ فاستعمل ألفاظ الترجيح كقوله (نلمح للتفكير الفلسفي مظاهر أخرى) وكقوله (حتى لتكاد تحسبه).
ومهما يكن من شيء، فهذا الكتاب يفتح آفاقاً جديدة، وبحثاً لا يزال بكراً، سيدفع المفكرين إلى الاتجاه إلى الثقافة الإسلامية اتجاهاً جديداً، يلتمسون فيه الخصوبة الأصلية للإسلام، والقوة العقلية التي سادت في مدينتها قروناً طويلة من الزمان.