انفتح جانب من طرف إحدى عيني فاندفع النور فيها أو كأن النور انبثق من هذا الجانب!!! حاولت الجلوس فإذا بركبتي تشعرانني بألم محتمل، طأطأت رأسي وأخذت أفتح ثغرات أخرى في أهدابي
ها أنا ذا أرى الحياة من جديد!!
شمس ساطعة، وسماء صافية، وصحراء هادئة ساجية، كأن ليس عليها سواي أنا المهشم المجروح وهذه الجثة المهروسة التي كنت غريقاً فيها، جثة مهروسة حقاً أنا هرستها بجسمي فآويت إلى أحشائها أتقي الموت فحملت عبئه وحدها وأنقذتني، جثة إنسان ضخم الجسم غرقت فيها من شدة ضغط القنبلة المعادية ولم تكن غير جثة زميلي الطبيب المفراح المزّاح
في تلك اللحظة التي تبينت فيها جثة زميلي وتحققت أنه الميت وأنا الحي، في تلك اللحظة جمد ذهني، وركد تفكيري. . . كنت أنظر فلا أرى، وأعي فكأني لا أعي! كانت صورة جثة زميلي المهروسة ماثلة أمامي، أرى الأحشاء مندلقة بشكل تنفر منه العين وتتقزز منه النفس، وأشم رائحة نتنة هي رائحة الإنسان!!
لازمني ذهول مركز، كنت أرى فرق الجيش تمر بي من بعيد، وثاب اليّ رشدي ساعة أقبل رسل الإنسانية فحملوني على محفة إلى المستشفى.
ساد المجلس صمت. . . أما أنا، فلم أكد أهم بحكاية أخرى من وقائعي حتى شعرت كأن رفاقي يستمهلونني بل يستوقفونني وقال لي أذلقهم لساناً، عليك أنت أن تدون حكايتنا ولا عليك أن تبتدع لنا حكايات، يكفيك أنك ألهبت شعورنا الوطني وإحساسنا القومي بما كنت تكتب وتنشر على رغم أنه مقتبس أو مستمد من أرواح الزعماء، فالزعماء يا صاحبي أرواح لا يفهمها الشعب، وإن ميعاد عظمة الزعيم رهينة بلبس ثياب الأسطورة ليصير خرافة لا حقيقة، وفي مقدرته على إنارة هالة قدسية حوله تجعل الشعب يؤمن به، فهو في كل أمم الشرق مجموعة من شخوص متحركة يعرفها جيداً كل زعماء الشرق، يعرفونها جيداً لأنها شخوص مثلهم تتحرك بدوافع غير منظورة لا يراها الشعب ولا يعرفها. . . كلنا يا صاحبي ذلك المجتر، شعب وزعماء!